في الجملة ، ولا يكون كلّ منها بانفراده سببا مستقلّا لإلزام العقل بفعله ، إلّا أنّ مجموعها من حيث المجموع سبب لإدراك العقل اشتماله على الجهة الملزمة ، فكلّ واحدة من تلك الجهات بانفراده أو بانضمامه إلى بعض الجهات الأخر قابل لأن يكون مناطا للحكم بالوجوب واقعا ، وإن لم يكن للعقل طريق إلى إحرازه ، بعد تبدّل بعض الجهات ، لعدم استقلاله بالحكم حينئذ كما هو المفروض ، فعلى هذا لو تبدّل بعض جهات الفعل يزول الحكم العقلي جزما ، لاستحالة بقائه حال الشكّ في المناط ، لاستلزامه اجتماع اليقين والشكّ في شيء واحد شخصي في زمان واحد ، وهو باطل ، ولكنّه لا يوجب ذلك القطع بزوال الحكم الشرعي المستكشف عنه لهذا الفعل ، لاحتمال بقاء مناطه ، لأنّ الحكم الشرعي إنّما يتّبع المناط الواقعي ، لا ما هو المعلوم عند العقل كونه مناطا ، فيستصحب الحكم الشرعي في زمان الشكّ ، إذا لم يكن الوصف الزائد ممّا يوجب تغاير الموضوع عرفا.
قلت : ما توهّمته اشتباه نشأ من الغفلة عن تشخيص الموضوع الذي يستقلّ العقل بحكمه ، ويستكشف منه الحكم الشرعي له ، وعن المسامحة في تعيين مورد المسامحة العرفية ، التي نلتزم بها في إجراء الاستصحاب.
توضيح دفعهما : إنّ الموضوع في الأحكام العقلية ـ وكذا في الشرعيات المستكشفة بها ـ ليس إلّا العقل ، المعنون بالعنوان الذي يستقلّ العقل بحكمه ، لا ذات الفعل من حيث هي ، كما أشار إليه المصنّف رحمهالله فيما أفاد من أن الصدق ليس موضوعا للحرمة بعنوان كونه صدقا ، وإنّما هو موضوع للحكم بعنوان كونه مضرّا ، فكذا المشتمل على الجهات المتعدّدة ، فالشيء المشتمل على هذه الجهات من حيث كونه كذلك هو الموضوع للحكم العقلي ، ويتوصّل به إلى حكم الشارع بحرمة هذا الفعل المعنون بهذا العنوان الذي استقل العقل بحكمه ، أو احتمال بقاء مناط الحكم في الفعل الذي ليس معنونا بهذا العنوان ، لا ينفع في إجراء الاستصحاب ، بل ليس استصحابا