والحاصل : إنّ الحجّية وعدمها إنّما يعرف في مثل أحكام الموالي والعبيد التي لا يجوز للعبيد التخطّي عنها ، على تقدير الحجّية ، لا مثل إرسال البضائع وغيره ممّا يحسن فيه الاحتياط لدى العقلاء ما لم يحصل القطع ، ولو أخبره ألف عادل ، كما لا يخفى.
قوله قدسسره : نعم ، الانصاف أنّهم لو شكّوا في بقاء حكم شرعي ... الخ (١).
أقول : وهذا في الأحكام الشرعيّة الجزئية ، التي يكون منشأ الشكّ فيها اشتباه الامور الخارجية أوضح ، ضرورة أنّ الشك في بقاء حرمة تزويج امرأة مسبوقة بزوجيّة الغير ، لاحتمال صيرورتها مطلّقة ، ليس كالشكّ في حرمتها لأحتمال صيرورتها مزوّجة ، وكذا الشكّ في حدوث حرمة التصرّف في مال الاحتمال خروجه عن ملكه ، أو رجوع مالكه عن اذنه ، ليس كالشكّ في بقاء حرمته لاحتمال دخوله في ملكه ، أو اذن المالك في التصرّف فيه ، إلى غير ذلك من الموارد.
ولكن هذا كلّه فيما لو كان الشكّ في الرافع ، وقد عرفت أنّ وجهه استقرار سيرة العقلاء على عدم الاعتناء باحتمال حدوث الرافع في رفع اليد عن أثر ما كان.
وامّا في الشكّ في المقتضي ، وإن أمكن أن يقال إنّ الإنصاف فيه أيضا أنّه لو شكّوا في بقاء حكم شرعي ـ ولو لأجل المقتضي ـ فليس عندهم كالشكّ في حدوثه في البناء على العدم ولكنّه ليس كالشكّ في الرافع أيضا في البناء على البقاء ، بل ربّما يتردّدون في الحكم ، لأنس ذهنهم بوجوده في السابق ، وشدّة المناسبة بين حالتي الشيء في زمان اليقين والشكّ ، فيصرفهم ذلك عن عدم الاعتناء باحتمال وجوده في الآن الثاني ، فلذا يتردّدون في الحكم ، فلاحظ وتدبّر.
__________________
(١) فرائد الاصول : ص ٣٤١ سطر ١٤ ، ٣ / ٩٦.