هذه الامور ، بمجرّد احتمال الموت ، أو صيرورة المرأة التي يجب الإنفاق عليها مطلقة ، بل لا يعملون بالظنّ أيضا ما لم يكن من طريق عقلائي معتبر كإخبار الثقة وغيره.
وكيف كان ، فمن تأمّل في مثل هذه الموارد ونظائرها ، ككيفية سلوك العبيد مع مواليهم في مقام الإطاعة ، لا يكاد يرتاب في استقرار سيرة العقلاء على ما ادّعيناه.
وامّا ما ترى من أنّهم لا يرسلون البضائع إليه بمجرّد احتمال الموت ، ولا يرون آثار بقائه حال الشكّ بالنسبة إلى بعض الأحكام ـ كبعض الأمثلة التي أشار إليها المصنّف رحمهالله ـ فوجهه غالبا مراعاة الاحتياط ، والتحرّز عن الضّرر المحتمل ، ألا ترى أنّه لو أخبر ثقة عدل في هذه الموارد بحياته ، لو لم يحصل لهم اطمئنان شخصي بالحياة ، لا يعملون بمقتضى قوله ـ لو احتملوا تلف أموالهم على تقدير الموت ، وكذا لو قال شريكه «أعط كلّ فقير درهما» ـ وعلى ادائه واحتمل إرادة التجوّز ، واختفاء القرينة ، وأنّه على تقدير إرادة المجاز لا يؤدّي إلّا ما أراده ، لا يعملون في مثل المورد بأصالة عدم القرينة ، وسرّه ما أشرنا إليه من أنّ مراعاة الواقع ، وعدم ترتيب الضّرر عندهم هو الملحوظ لا غير ، وهذا لا ينافي حجّية قول الثقة عندهم ، أو اعتبار اصالة عدم القرينة لديهم ، وانّما يظهر أثر اعتبار مثل هذه الامور فيما إذا تعذّر في حقّهم الاحتياط ـ على تقدير الحجّية ـ كما لو كان المكلّف ممّن وجب عليه طاعة أمره ، ولم يكن معذورا في مخالفته ـ على تقدير الحجّية ـ كما لو قال المولى لعبده «أعط من مالي كلّ فقير درهما» أو قال «اشتغل بالعمل الفلاني ما دمت في السفر» فانّه ليس للعبد ترك الإعطاء على بعض الفقراء لاحتمال عدم إرادته من العموم ، أو رفع اليد عن العمل المأمور به ما دام في السفر بمجرّد الشكّ في حياته ، بل لو تركه معتذرا باحتمال موت مولاه ، وصيرورته ملكا لورثته ، أو انتقاله إلى الغير ببيع أو هبة ونحوها ، يعدّ سفيها ، فلو لم يكن الاستصحاب حجّة لدى العرف ، لكان لهذا العبد المتشبّث بالبراءة حال الشكّ كالتكاليف البدوية التي يحتمل حدوثها.