توضيح ما فيه : إنّ التمسّك بإطلاق الكلام فرع صلاحيته للتقييد ، حتّى يكون ترك القيد دليلا على إرادة عدمه ، وقد عرفت امتناع التقييد فلا يصحّ التمسّك بالإطلاق.
الثاني : حكم العقل بوجوب إطاعة الواجبات ، التي قد عرفت أنّها عبارة عن إتيان المأمور به بداعي الأمر.
وفيه : إنّ حكم العقل بوجوب الإطاعة فرع بقاء الوجوب ، وعدم سقوط الأمر بحصول ذات الواجب في الخارج ، وهذا مبنيّ على كون الإطاعة من حيث هي مقصودة للآمر في أوامره ، وكونها بهذه الصفة ممّا لا يدركه العقل ، وإنّما يحكم بوجوبها للتوصّل إلى اسقاط التكليف بإيجاد المكلّف به ، على نحو تعلّق به غرض الآمر ، ولذا لو علم بحصول غرضه في الخارج ولو من غير هذا الشخص ـ كما في التوصّليات ـ لا يحكم بوجوب الإطاعة ، لا لكونه تخصيصا في الحكم العقلي ، أعني وجوب الإطاعة بغير التوصّليات ، بل لكون حكم العقل بالوجوب مقدّميا ، فيرتفع عند حصول ذي المقدّمة ، والمفروض عدم دلالة الخطاب على وجوب ما عدا المادّة ، وعدم نهوض دليل آخر على اعتبار عنوان الإطاعة في قوام ماهيّة الواجب الواقعي ، الذي تعلّق غرض الآمر بتحقّقه في الخارج ، فالأصل عدم وجوبه واعتباره في ماهيّة الواجب ، ولا نعني بالأصل أصالة الإطلاق حتّى يتوجّه علينا فساده في حدّ ذاته أوّلا ـ كما عرفت ـ وفرض إهمال الدليل ثانيا ، بل المقصود اصالة براءة الذمة عن وجوب إتيان الواجب بهذا العنوان ، كغيره من الشرائط والاجزاء التي يشكّ في اعتبارها في الواجب ، لأنّ المناط في جريان أصل البراءة هو الشكّ في إيجاب الشارع أمرا بكون بيانه وظيفة له ، سواء كان الواجب نفسيّا أو غيريّا ، على ما تقرّر في محلّه ، وهذا المناط محقّق فيما نحن فيه ، لأنّ تعلّق غرض الآمر في أوامره بامتثال الأوامر على نحو تكون الإطاعة والامتثال فيها مقصودة بالذات ، لا لأجل