متعلّقاتها بداعي الأمر مطلقا ، بل يكفي في صحّة العبادات ، وسقوط التكليف بها ، مجرّد حصولها لله تعالى ، لا لسائر الأغراض النفسانية ، وإن لم يكن بداعي أمره ، كي يصدق عليها اسم الإطاعة ، بل لسائر الغايات الموجبة للقرب إليه تعالى ، كتحصيل مرضاته والإتيان بمحبوبه ونحو ذلك ، إذ لا دليل على اعتبار أمر زائد على ذلك في ماهيّة العبادات ، ومقتضى الأصل عدمه وبراءة الذمّة عنه ؛ وشرح ذلك يتوقّف على بسط المقال في تحقيق ما يقتضيه الأصل ، عند دوران الواجب بين كونه تعبّديا أو توصّليا ، ثمّ التكلّم في أنّه بعد أن ثبت كونه تعبّديا بواسطة أصل أو دليل ، فلو شكّ في اعتبار شيء زائد عن عنوان الإطاعة التي استقلّ بوجوبها العقل ، كالجزم في النية ، أو معرفة الوجه ، فهل يجب الاحتياط أو يرجع إلى البراءة؟
فأقول مستعينا بالله : أمّا الكلام في المقام الأوّل ، فهو أنّهم اختلفوا في أنّ الأصل في الواجب كونه تعبّديا أو توصّليا على قولين ، أقواهما الأخير ، احتجّ للقول الأوّل بامور :
الأوّل : إنّ المتبادر من أمر المولى عبده بشيء ، إيجاب إيجاده ، لأجل أنّه أمره ، فحصول الإجزاء بمجرّد تحقّقه في الخارج لا بداعي الأمر خلاف ظاهر الأمر.
وفيه : إنّ دعوى استفادته من مدلول الخطاب فاسدة جدّا ، إذ المادّة في الطلبات موضوعة لمعانيها الواقعيّة ، والطلب إنّما تعلّق بإيجادها بعناوينها المخصوصة بها ، الواقعة في حيّز الطلب ، أمّا كونه بعنوان الإطاعة والامتثال فهو تقييد آخر في الواجب ، لا يستفاد من المادّة ولا من الهيئة ، فكيف تصح استناده إلى ظاهر الدليل ، بل لا يعقل استفادته من ذلك الخطاب ، لأنّ مرتبة الإطاعة متأخّرة عن الطّلب ، فلا يمكن أخذها قيدا في متعلّق الطلب ، كما لا يخفى.
وقد ظهر بذلك ما في عكس هذا التوهّم ، من الاستدلال بإطلاق الكلام لنفي اعتبار قصد الإطاعة ، وإثبات كون الأصل في الواجب كونه توصّليا.