وبرها وبحرها وسهلها وجبلها من حرّ وبرد أربعة أشهر. ولذلك قال أبو دلف :
إني امرؤ كسروي الفعال |
|
أصيف الجبال وأشتو العراقا |
وألبس للحرب أثوابها |
|
وأعتنق الدار عين اعتناقا |
فاختار بفضل رأيه وجودة تمييزه أن يصيف الجبال ليسلم من سمائم العراق وذبابه وهوامّه وحشراته وسخونة مائه وهوائه. واختار أن يشتو بالعراق ليسلم من زمهرير الجبال وكثرة أنديتها ووحولها وثلوجها. وقد قال أيضا في غير هذا المعنى. بل في ضدّه لسبب دعاه إلى ذلك :
ألم تر حين حال الزمان |
|
أصيف العراق وأشتو الجبالا |
سموم المصيف وبرد الشتاء |
|
حنانيك حالا أزالتك حالا |
فصبرا على حدث النائبات |
|
فإن الخطوب تذلّ الرجالا (١) |
والسبب الذي لأجله قال هذه الأبيات أنه لمّا قال القافية التي كتبناها قبلها اتصلت بعبد الله بن طاهر ـ وكان سيىء الرأي بأبي دلف ـ فقال :
ألم تر أنا جلبنا العناق |
|
إلى أرض بابل قبّا عتاقا |
[١١٩ ب]
فما زلن يعسفن بالدار عين |
|
طورا حزونا وطورا رفاقا |
إلى أن وردن بأدوائها |
|
قلوب رجال أرادوا النفاقا |
وأنت أبا دلف ناعم |
|
تصيف الجبال وتشتو العراقا |
فلما وقف أبو دلف على هذه الأبيات آلى على نفسه أن لا يصيف إلّا ببغداد ولا يشتو إلّا بالجبل.
فإذا صحّ لك ما قلنا وتبين ما حكينا ، ثم ميّزت وتفكرت ونظرت وأنصفت. علمت أن البرد أصلح من الحرّ. لأنك إذا أضفت البرد وهو الجبال إلى ما يقاسيه
__________________
(١) في المختصر ، العجز هو : تأبي الحوادث إلّا انتقالا.