نهضت تلك الطيور إلى جلود هذا الدود فأكلتها.
فلم تزل العسكر في القرية أياما يرومون الوصول إلى موضع البيوراسف ولا يهتدون لموضع الجبل في الصعود. فبينا هم كذلك إذ أتاهم شيخ قد نيف على مائة سنة فسائلهم عما قدموا له ، فعرّفوه الخبر ، وإذا على الجبل حوانيت كثيرة فيها قوم من الحدادين حول تلك القلّة عليهم نوائب يضربون مطارقهم على سنداناتهم ساعة بعد ساعة ويتكلمون عليها بكلام يهجسون به موزون عند ضربهم ، لا يفترون ليلا ولا نهارا. فسألوا الشيخ عن الخبر ، فقال لهم : هذه الحوانيت وضرب هؤلاء على السندانات ، طلسم على البيوراسف لئلا ينحل عن وثاقه ، وإنه لدائب بلحس سلاسله وأغلاله ، فإذا ضربت هذه المطارق عادت أغلاله وسلاسله إلى ما كانت عليه من الغلظ. فإن أحببتم الوقوف على صحة هذا الحيوان المحبوس في هذه القلة حتى لا يتخالجكم فيه ريب أريتكم برهان ذلك. فقال له القائد : ما جئت لغير هذا الذي وصفت. فأحضر الشيخ سلما مخروزا محكما من الصرم وسككا من سكك الحديد وجمع شباب القرية حتى صعد منهم من صعد على تلك السلّم من قرار القلّة إلى مقدار مائة ذراع في الجبل ثم أراهم في الجانب الشرقي من القلة عند مطلع الشمس جوبة عظيمة وعليها أسكفة باب حديد عليه مسامير من حديد مذهبة مكتوب عليها [١٤٤ ب] بالفارسية ما أنفق على كل مسمار وفوق الأسكفة كتابة تخبر أن على القلة سبعة أبواب من حديد ، على كل باب أربعة أقفال قد كتب على بعض المسامير : لهذا الحيوان أمد يجري إلى غايته ونهاية لا يعدوها ، فلا يعرض خلق لفتح شيء منها فيهجم من هذا الملعون على ما لا يقوم له أهل الأرض ولا حيلة لأحد عما يريد.
فقال القائد (١) : ويحكم حيوان منذ آلاف من السنين يبقى بغير قوت؟ فقال الشيخ : طعامه القديم الذي تغدى به مطلسم في جوفه ، فهو يتغلغل في صدره ويرتفع إلى لهواته حتى تمتلأ منه ، وقد منع من إخراجه. فذلك غذاؤه. فانصرفوا
__________________
(١) في المختصر : فقال موسى بن حفص.