أو : من الحرم ؛ لما روى أنه كان نائما فى بيت أم هانئ بعد صلاة العشاء ، فأسري به ، وسماه مسجدا ؛ لأن الحرم كله مسجد. قاله البيضاوي. قلت : والظاهر أنه وقع مرتين : مرة بجسده من البيت ، ومرة بروحه من بيت أم هانئ. والله تعالى أعلم بما كان.
قال فى المستخرج من تفسير الغزنونى وغيره : قيل : كان رؤيا صادقة ، وقيل : أسرى بروحه ، وهو خلاف القرآن ، وإن أسند إلى عائشة ـ رضى الله عنها ـ ، والجمهور على ما رواه عامة الصحابة ، دخل كلام بعضهم فى بعض ، عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أتانى جبريل عليهالسلام ، وإذا دابة فوق الحمار ودون البغل ، خطوها مد بصرها ، فمرّ بي بين السماء والأرض إلى بيت المقدس ، فنشر لى رهط من الأنبياء ، فصليت بهم. وإذا أنا بالمعراج ، وهو أحسن ما رأيت ، فعرج بي ، فرأيت فى سماء الدنيا رجلا أعظم الناس وجها وهيكلا ، فقيل : هذا أبوك آدم ، وفى السماء الثانية شابين ، فقيل : هما يحيى وعيسى ، وفى الثالثة رجلا أفضل الناس حسنا ، فقيل : أخوك يوسف ، وفى الرابعة إدريس ، وفى الخامسة هارون ، وفى السادسة موسى ، وفى السابعة إبراهيم ـ صلوات الله على جميعهم. فانتهيت إلى سدرة المنتهى ، فغشيتها ملائكة ، كأنهم جراد من ذهب ، فرأيت جبريل عليهالسلام يتضاءل كأنه صعوة ـ أي : عصفور ـ فتخلف ، وقال : وما منا إلا له مقام معلوم ، فجاوزت سبعين حجابا ، ثم احتملنى الرفرف إلى العرش ، فنوديت : حيّ ربك. فقلت : لا أحصى ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك» (١). فلما أخبر بما رأى كذّبه أهل مكة ، ولو كان فى النوم ما أنكره المشركون. وقيل : كانا معراجين ، بمكة والمدينة ، فى النوم واليقظة. ه.
قلت : وقوع المعراج بالمدينة غريب. قال المهدوى : مرتبة الإسراء بالجسم إلى تلك الحضرات العلية خاصة بنبينا ، لم يكن لغيره من الأنبياء. وعدّه السيوطي من الخصائص. قال ابن جزى : وحجة الجمهور : أنه لو كان مناما ، لم تنكره قريش ، ولم يكن فى ذلك ما يكذّب ، ألا ترى أن أم هانئ قالت له ـ عليه الصلاة والسلام : (لا تخبر بذلك أحدا). وحجة من قال إنه كان مناما : قوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ) (٢) ، وإنما يقال : الرؤيا ، فى المنام ، ويقال ، فيما يرى بالعين : رؤية ، وقوله ، فى آخر حديث الإسراء : «فاستيقظت وأنا فى المسجد الحرام» ، ثم قال : وقد يجمع بينهما بأنه وقع مرتين (٣). ه.
وقوله تعالى : (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) هو : بيت المقدس ؛ لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد ، (الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) ببركات الدين والدنيا ؛ لأنه مهبط الوحى ومتعبد الأنبياء ، ومحفوف بالأنهار والأشجار والثمار. أسرينا
__________________
(١) أخرج حديث الإسراء والمعراج ، برواياته المتعددة ، وطرقه ؛ البخاري فى (الصلاة ، باب كيف فرضت الصلاة فى الإسراء) ، و (بدء الخلق ، باب ذكر الملائكة) ، و (مناقب الأنصار ، باب المعراج). ومسلم فى (الإيمان ، باب الإسراء).
(٢) من الآية ٦٠ من سورة الإسراء.
(٣) وهذا هو الصواب.