به ؛ (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) الدالة على عجائب قدرتنا ، ونكشف له عن أسرار ذاتنا ، فأطلعه الله على عجائب الملكوت ، وأراه سنا الجبروت. روى عكرمة عن ابن عباس : أنه قال : قد رأى محمد ربه ، قلت : أليس الله يقول : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) (١) ، قال : ويحك ، ذلك إذا تجلى بنوره الذي هو نوره ، وقد رأى ربه مرتين. ه. قلت : معنى كلامه : أنه إذا تجلى بنوره الأصلى ، من غير واسطة ، لا يمكن إدراكه ، وأما إذا تجلى بواسطة المظهر فإنه يمكن إدراكه ، والحاصل : أن الحق تعالى إنما يتجلى على قدر الرائي ، لا على قدره ؛ إذ لا يطيقه أحد. وسيأتى ، فى الإشارة ، بقية الكلام عليه ، إن شاء الله. (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) أي : السميع لأقوال حبيبه فى حال مناجاته ، البصير بأحواله ، فيكرمه ويقربه على حسب ذلك.
الإشارة : قال بعض الصوفية : إنما قال تعالى : (بِعَبْدِهِ) ، ولم يقل : بنبيه : ولا برسوله ؛ ليدل على أن كل من كملت عبوديته كان له نصيب من الإسراء. غير أن الإسراء بالجسد مخصوص به ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، وأما الإسراء بالروح فيقع للأولياء ؛ على قدر تصفية الروح ، وغيبتها عن هذا العالم الحسى ، فتعرج أفكارهم وأرواحهم إلى ما وراء العرش ، وتخوض فى بحار الجبروت ، وأنوار الملكوت ، كلّ على قدر تخليته وتحليته. وإنما خص الإسراء بالليل ؛ لكونه محل فراغ المناجاة والمواصلات ، ولذلك رتب بعثه مقاما محمودا على التهجد بالليل فى هذه السورة. قاله المحشى.
وقوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى) ، قال الورتجبي : أي : تنزه عن إشارة الجهات والأماكن فى الفوقية ، وما يتوهم الخلق ؛ من أنه إذ أوصل عبده إلى وراء الوراء ، أنه كان فى مكان ، أي : لا تتوهموا برفع عبده إلى ملكوت السموات ، أنه رفع إلى مكان ، أو هو فى مكان ، فإن الأكوان والمكان أقل من خردلة فى وادي قدرته ، أي : فى بحر عظمته ؛ ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام : «الكون فى يمين الرحمن أقل من خردلة». والعندية والفوقية منه ، ونزّه نفسه عن أوهام المشبّهات ، حيث توهموا أنه أسرى به إلى المكان ، أي : سبحان من تنزه عن هذه التهمة. ه. وقال القشيري : أرسله الحق تعالى ؛ ليتعلم أهل الأرض منه العبادة ، ثم رقّاه إلى السماء ليتعلّم منه الملائكة ـ عليهمالسلام ـ آداب العبادة ، قال تعالى : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) (٢) ، وما التفت يمينا ولا شمالا ، ما طمع فى مقام ، ولا فى إكرام ، تحرر عن كلّ طلب وأرب ، تلك الليلة. ه.
__________________
(١) من الآية ١٠٣ من سورة الأنعام.
(٢) من الآية ١٧ من سورة النجم.