المعاني والعلوم ، (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) ؛ إلا جحودا وامتناعا من قبوله. وفيه من المبالغة ما ليس فى نفى مطلق الإيمان ؛ لأنّ فيه دلالة على أنهم لم يرضوا بخصلة سوى الكفور والجحود ، وأنهم بالغوا فى عدم الرضا حتى بلغوا مرتبة الإباء. وبالله التوفيق.
الإشارة : كما وقع التخويف بإذهاب خصوصية النبوة والرسالة ، يقع التخويف بإذهاب خصوصية الولاية والمعرفة العيانية ، فإن القلوب بيد الله ، يقلبها كيف يشاء. والخصوصية أمانة مودعة فى القلوب ، فإذا شاء رفعها رفعها ، ولذلك كان العارف لا يزول اضطراره. وما زالت الأكابر يخافون من السلب بعد العطاء ، ويشدون أيديهم على الأدب ؛ لأن سوء الأدب هو سبب رفع الخصوصية ، والعياذ بالله.
قال القشيري : سنّة الحقّ مع خيار خواصه ؛ أن يديم هم شهود افتقارهم إليه ؛ ليكونوا فى جميع الأحوال منقادين بجريان حكمه ، ثم قال : والمراد والمقصود : إدامة تفرّد سرّ حبيبه به ، دون غيره. ه. وأما سلب الأولياء بعضهم لبعض فلا يكون فى خصوصية المعرفة بعد التمكين ؛ إذ لا مانع لما أعطى الكريم ، وإنما يكون فى خصوصية التصريف وسر الأسماء ، إذا كان أحدهما متمكنا فيه ، وقابل من لم يتمكن ، قد ينجذب إلى القوى بإذن الله ، وقد يزال منه إذا طغى به. والله تعالى أعلم.
ثم أظهر الحق تعالى جحودهم وعتوهم ، فقال :
(وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (٩٣) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (٩٥) قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٩٦))