(وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا) ؛ متكبرا عاقا ، فالجبّار : هو المتكبر ، لأنه يجبر الناس على أخلاقه. وقيل : من لا يقبل النصيحة ، أو عاصيا الله تعالى. (وَسَلامٌ عَلَيْهِ) أي : سلامة من الله تعالى عليه ، (يَوْمَ وُلِدَ) من أن يناله الشيطان بما ينال بنى آدم ، (وَيَوْمَ يَمُوتُ) من عذاب القبر ، (وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) من هول القيامة وعذاب النار.
روى أن يحيى وعيسى ـ عليهماالسلام ـ التقيا ، فقال له يحيى : استغفر لى ، فأنت خير منى ، فقال له عيسى : أنت خير منى ، أنا سلمت على نفسى وأنت سلم الله عليك.
الإشارة : أخذ الكتاب بالقوة ـ وهو الجد والاجتهاد فى قراءته ـ هو أن يكون متجردا لتلاوته ، منصرف الهمة إليه عن غيره ، فلا يصدق على العبد أن يأخذ كتاب ربه بقوة ، حتى يكون هكذا عند تلاوته. قال الورتجبي : (خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) أي : خذ كتابنا بنا لابك ، والكتاب كلام الحق الأزلى ، أي : خذ الكتاب الأزلى بالقوة الأزلية. ه. ومعناه أن يكون التالي فانيا عن نفسه ، متكلما بربه ، ويسمعه من ربه ، فهذا حال المقربين. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر قصة مريم ـ عليهاالسلام ـ فقال :
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (١٧) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (١٩) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (٢١))
قلت : (إِذِ انْتَبَذَتْ) : بدل اشتمال من مريم ، على أن المراد بها نبؤها ، فإن الظرف مشتمل على ما فيها ، وقيل : بدل الكل ، على أن المراد بالظرف ما وقع فيه. وقيل : (إِذِ) ظرف لنبأ المقدر ، أي : اذكر نبأ مريم حين انتبذت ؛ لأن الذكر لا يتعلق بالأعيان ، لكن لا على أن يكون المأمور به ذكر نبأها عند انتباذها فقط ، بل كل ما عطف عليه وحكى بعده بطريق الاستثناء داخل فى حيز الظرف متمم للنبأ. و (مَكاناً) : مفعول بانتبذت ، باعتبار ما فيه من معنى الإتيان ، أي : اعتزلت وأتت مكانا شرقيا ، أو ظرف له ، أي : اعتزلت فى مكان شرقى. و (بَشَراً) : حال. وجواب (إِنْ كُنْتَ) : محذوف ، أي : إن كنت تقيا فإنى عائذة بالرحمن منك. و (بَغِيًّا) أصله : بغوي ، على وزن فعول ،