الثرى هو الصخرة التي عليها الأرض السابعة ، وذكره مع دخوله تحت ما فى الأرض ؛ لزيادة التقرير. (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ) أي : وإن تجهر بذكره تعالى ـ أو دعائه ، فاعلم أنه تعالى غنى عن جهرك ؛ (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) أي : ما أسررته إلى غيرك ، وشيئا أخفى من ذلك ، وهو ما أخطرته ببالك ، من غير أن تتفوه به أصلا أو : السر : ما أسررته فى نفسك ، وأخفى منه : ما ستسره فى المستقبل. وهو إمّا نهى عن الحركة ، كقوله تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) (١) وإما إرشاد للعباد إلى أن الجهر ليس لإسماعه تعالى ؛ بل لغرض آخر من تأنيس النفس بالذكر وتثبيته فيها ، ومنعها من الاشتغال بغيره ، وقطع الوسوسة عنها ، وهضمها بالتضرع والجؤار. هذا والغرض من الآية : بيان إحاطة علمه تعالى بجميع الأشياء ، إثر بيان سعة سلطانه وشمول قدرته بجميع الكائنات.
ثم بيّن الموصوف بتلك الكمالات ، فقال : (اللهُ) أي : ما ذكر من صفات الكمال ، موصوفها الله المعبود بالحق ، (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي : لا معبود بحق إلا هو ، ولا مستحق للعبادة إلا هو. وهو تصريح بما تضمنه ما قبله من اختصاص الألوهية به سبحانه ، فإنّ ما أسند إليه تعالى من خلق جميع الموجودات ، ومن الرحمانية والمالكية للكل ، والعلم الشامل ، يقتضى اختصاصه تعالى بالألوهية والربوبية ، وقوله تعالى : (لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) بيان لكون ما ذكر من الخالقية والرحمانية والمالكية والعالمية أسماءه تعالى وصفاته ، من غير تعدد فى ذاته تعالى ؛ فالأسماء والصفات كثيرة ، والمسمى والموصوف واحد. و (الْحُسْنى) : تأنيث الأحسن ، فعلى ، يوصف به الواحد المؤنث ، والجمع المذكر والمؤنث ، ك (مَآرِبُ أُخْرى) (٢) ، و (آياتِنَا الْكُبْرى) (٣). والله تعالى أعلم.
الإشارة : من تأمل القرآن العظيم ، وما جاء به الرسول ـ عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ـ وجده يدل على ما يفضى إلى الراحة دون التعب ، وإلى السعادة العظمى دون الشقاء ، لكن لا يتوصل إلى الراحة إلا بعد التعب ، ولا يفضى العبد إلى السعادة الكبرى إلا بعد الطلب ، فإذا اجتهد العبد فى طلب ربه ، وكله إلى شيخ ينقله من عمل الجوارح إلى عمل القلوب ، فإذا وصل العمل إلى القلب استراحت الجوارح ، وأفضى حينئذ إلى روح وريحان ، وجنة ورضوان ، أعنى جنة العرفان. ولذلك قال الشيخ أبو الحسن : «ليس شيخك من يدلك على تعبك ، إنما شيخك من يريحك من تعبك» ، كما فى لطائف المنن.
وقال شيخنا القطب ابن مشيش : وقد سئل عن قوله صلىاللهعليهوسلم : «يسّروا ولا تعسّروا» فقال : دلوهم على الله ، ولا تدلوهم على غيره ، فإن من دلّك على الدنيا فقد غشك ، ومن دلّك على العمل فقد أتعبك ، ومن دلّك على الله فقد
__________________
(١) من الآية ٢٠٥ من سورة الأعراف.
(٢) من الآية ١٨ من سورة طه.
(٣) من الآية ٢٣ من سورة طه.