نصحك. ه. فإذا دلك على الله غيّبك عن وجود نفسك بشهود ربك ، وهى السعادة العظمى ، كما تقدم فى سورة هود. فمن اتخذ شيخا ثم لم ينقله من مقام التعب ، ولم يرحله من مقام إلى مقام ، فاعلم أنه غير صالح للتربية.
وقوله تعالى : (إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى) ، قال شيخ شيوخنا سيدى عبد الرحمن العارف : قيل : أنزل الله القرآن لتذكير سابق الوصال ؛ لأن الأرواح لمّا دخلت الأشباح اكتسبت خشية ووحشة وفرقة عن معادنها ، فأنزل الله القرآن تأنيسا ؛ لأن المحب يأنس بكتاب حبيبه وكلامه. وقال جعفر الصادق : أنزل الله القرآن موعظة للخائفين ، ورحمة للمؤمنين ، وأنسا للمحبين. وأيضا : القرآن يذكّر عظمة الله الموجبة خشيته ، فهو مذهب للغفلة. ثم قال : وفى الشهود الحاصل بالتذكير رفع المشقة ، ووجدان الراحة بالطاعة ، لكونه يصير محمولا ، وقد قال : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (١) ، أي : لشهودى فيها ، وفى ذلك قرة عين ، وراحة ، وأنس ، وتشابه حال المصلى بحال موسى ، بجامع النجوى ، فلذلك ذكر فى سياقه. والله أعلم. ه.
وقوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) ، تفسيرها هو الذي قصد ابن عطاء الله فى الحكم بقوله : «يا من استوى برحمانيته على عرشه ، فصار العرش غيبا فى رحمانيته ، كما صارت العوالم غيبا فى عرشه ، محقت الآثار بالآثار ، ومحوت الأغيار بمحيطات أفلاك الأنوار». وأنت خبير بأن الرحمانية وصف لازم للذات ، والصفة لا تفارق الموصوف ، فإذا استوت الرحمانية على العرش وغمرته ؛ فقد استوت عليه أسرار الذات وغمرته ، وهى أفلاك الأنوار التي أحاطت بالعرش والآثار ، ومحت كل شىء ، حتى لم يبق إلا الذي ليس كمثله شىء ، وليس معه شىء ، وهو السميع البصير. وما نسبة حس الآثار بالنسبة إلى أفلاك الأسرار التي استوت عليه إلا كالهباء فى الهواء. والله تعالى أعلم وأعظم.
ثم ذكر قصص موسى عليهالسلام ، وتسليته لرسوله صلىاللهعليهوسلم ، وعما لقى من التعب فى تبليغ الوحى ، فقال :
(وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (٩) إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (١٠) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٢) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (١٣) إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٤) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ
__________________
(١) من الآية ١٤ من سورة طه.