مواطئا لسانه قلبه فهو مؤمن شرعا ، قال عليه الصلاة السلام : «لمّا خلق الله الجنّة ، قال لها : تكلّمي ، فقالت : قد أفلح المؤمنون ـ ثلاثا ـ أنا حرام على كلّ بخيل مرائى» (١) ؛ لأنه بالرياء أبطل العبادات الدينية ، وليسر له أعمال صافية.
ثم وصف أهل الإيمان بست صفات ، فقال : (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) : خاضعون بالقلب ساكنون بالجوارح ، وقيل : الخشوع فى الصلاة : جمع الهمة ، والإعراض عما سواها ، وعلامته : ألا يجاوز بصره مصلاه ، وألّا يلتفت ولا يعبث. وعن أبى الدرداء : (هو إخلاص المقال ، وإعظام المقام ، واليقين التام ، وجمع الاهتمام). وأضيفت الصلاة إلى المصلين ؛ لانتفاع المصلّى بها وحده ، وهى عدّته وذخيرته ، وأما المصلّى له فغنىّ عنها.
(وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) ، اللغو : كل كلام ساقط ، حقه أن يلغى ، كالكذب والشتم ونحوهما. والحق أن اللغو : كل ما لا يعنى من الأقوال والأفعال ، وصفهم بالحزم والاشتغال بما يعنيهم وما يقربهم إلى مولاهم فى عامة أوقاتهم ، كما ينبىء عنه التعبير بالاسم الدال على الثبوت والاستمرار ، بعد وصفه لهم بالخشوع ؛ ليجمع لهم بين الفعل والترك ، الشاقّين على النفس ، الّذين هما قاعدتا التكليف. (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) : مؤدون ، والمراد بالزكاة : المصدر ، الذي هو الإخراج ، لا المخرج. ويجوز أن يراد به العين ، وهو الشيء المخرج ، على حذف مضاف ، أي : لأداء الزكاة فاعلون. وصفهم بذلك ، بعد وصفهم بالخشوع فى الصلاة ؛ للدلالة على أنهم بلغوا الغاية القصوى من القيام بالطاعة البدنية والمالية ، والتجنب عن النقائص ، وتوسيط الإعراض عن اللغو بينهما ؛ لكمال ملابسته بالخشوع فى الصلاة ؛ لأن من لزم الصمت والاشتغال بما يعنى عظم خشوعه وأنسه بالله.
(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) : ممسكون لها ، ويشمل فرج الرجل والمرأة ، (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ) ، الظاهر أن «على» بمعنى «عن» أي : إلا عن أزواجهم ، فلا يجب حفظها عنهن ، ويمكن أن تبقى على بابها ، تقول العرب : احفظ علىّ عنان فرسى ، أي : أمسكه ، ويجوز أن يكون ما بعد الاستثناء حالا ، أي : إلا والين على أزواجهم ، من قولك : كان زياد على البصرة ، أي : واليا عليها ، والمعنى : أنهم لفروجهم حافظون فى كافة الأحوال ، إلا فى حالة تزوجهم أو تسريهم. أو يتعلق «على» بمحذوف يدل عليه : (غير ملومين) ، كأنه قيل : يلامون إلا على أزواجهم ، أي : يلامون على كل مباشرة إلا على ما أبيح لهم ، فإنهم غير ملومين عليه ، (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) أي : سراريهم ، وعبّر عنهن بما ؛ لأن المملوك يجرى مجرى غير العقلاء ، لأنه يباع كما تباع البهائم. وقال فى الكشاف : وإنما قال «ما» ، ولم يقل «من» ؛ لأن الإناث يجرين مجرى غير العقلاء (٢). ه. يعنى : لكونهن ناقصات عقل ، كما فى الحديث. وفيه احتراس من الذكور بالملك ، فلا يباح إتيانهم والتمتع بهم للمالك ولا للمالكة ، بإجماع.
__________________
(١) ذكره بنحوه الهيثمي فى المجمع (١٠ / ٣٩٧) من حديث ابن عباس ـ رضى الله عنهما ، وقال : رواه الطبراني فى الأوسط والكبير ، وأحد إسنادى الطبراني فى الأوسط جيد.
(٢) فى هذا الكلام نظر.