وقوله تعالى : (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) أي : لا لوم عليهم فى عدم حفظ فروجهم عن نسائهم وإمائهم. (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ) ؛ طلب قضاء شهوته فى غير هذين ، (فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) : الكاملون فى العدوان ، وفيه دليل على تحريم المتعة والاستمتاع بالكف لإرادة الشهوة ؛ لأن نكاح المتعة فاسد ، والمعدوم شرعا كالمعدوم حسا ، ويدل على فساده عدم التوارث فيه بالإجماع ، وكان فى أول الإسلام ثم نسخ.
(وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ) أي : لما يؤتمنون عليه ، ويعاهدون عليه من جهة الحق أو الخلق ، (راعُونَ) : حافظون عليها قائمون بها ، والراعي : القائم على الشيء بحفظ وإصلاح ، كراعى الغنم. (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ) المفروضة عليهم (يُحافِظُونَ) : يداومون عليها فى أوقاتها. وأعاد الصلاة ؛ لأنها أهم ، ولأن الخشوع فيها زائد على المحافظة عليها ، ووحّدت أولا ؛ ليفاد أن الخشوع فى جنس الصلاة أيّة صلاة كانت ، وجمعت ثانيا ؛ ليفاد المحافظة على أنواعها من الفرائض والواجبات والسنن والنوافل. قاله النسفي.
(أُولئِكَ) الجامعون لهذه الأوصاف (هُمُ الْوارِثُونَ) الأحقاء بأن يسمّوا وارثين ، دون غيرهم ممن ورث رغائب الأموال والذخائر وكرائمها ، وقيل : إنهم يرثون من الكفار منازلهم فى الجنة ، حيث فوّتوها على أنفسهم ، لأنه تعالى خلق لكل إنسان منزلا فى الجنة ومنزلا فى النار ، ففى الحديث : «ما منكم من أحد إلّا وله منزلان : منزل فى الجنّة ومنزل فى النّار ، فإن مات ودخل الجنّة ، ورث أهل النّار منزله ، وإن مات ودخل النّار ، ورث أهل الجنّة منزله» (١).
ثم ترجم الوارثين بقوله : (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ) ، هو فى لغة الروم والحبشة : البستان الواسع ، الجامع لأصناف الثمر ، والمراد : أعلى الجنان ، استحقوا ذلك بأعمالهم المتقدمة حسبما يقتضيه الوعد الكريم ، (هُمْ فِيها خالِدُونَ) ، أنث الفردوس بتأويل الجنة ، أو لأنه طبقة من طبقاتها ، وهى العليا. والله تعالى أعلم.
الإشارة : قال القشيري : الفلاح : الفوز بالمطلوب ، والظّفر بالمقصود. والإيمان : انتسام الحقّ فى السريرة ، ومخامرة التصديق بخلاصة القلب ، واستكمال التحقيق من تامور الفؤاد (٢). والخشوع فى الصلاة : إطراق السّرّ على بساط النّجوى ، باستكمال نعت الهيبة ، والذوبان تحت سلطان الكشف ، والانمحاء عند غلبات التّجلّي. ه.
قلت : كأنه فسر الفلاح والإيمان والخشوع بغايتهن ، فأول الفلاح : الدخول فى حوز الإسلام بحصول الإيمان ، وغايته : إشراق شمس العرفان ، وأول الإيمان : تصديق القلب بوجود الرب ، من طرق الاستدلال والبرهان ، وغايته :
__________________
(١) أخرجه ابن ماجة فى (الزهد ، باب : صفة الجنة) ، عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه.
(٢) أي : داخل القلب.