ما هذا (إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي : أكاذيبهم التي سطروها ، وهى جمع أسطورة ، كأحدوثة وأعجوبة ، أو جمع أسطار ، جمع سطر ، فيكون جمع الجمع. والله تعالى أعلم.
الإشارة : ذكر فى الآية خمس نعم ، يجب على العبد شكر كل واحدة منها ، فشكر نعمة السمع : أن تسمع به ما ينفع ، وتكفه عما لا ينفع ، وإذا سمعت خيرا أفشيته ، وإذا سمعت شرا دفنته. وشكر نعمة البصر : أن تنظر به فى ملكوت السموات والأرض وما بينهما ، فتعرف عظمة الصانع ، أو تشاهده وتوحده فيها. وشكر نعمة القلوب : أن تعرف بها علام الغيوب ، وتفرده بالوجود فى كل مرغوب ومرهوب. وشكر نعمة الإيجاد : أن تكون له عبدا فى كل حال. وشكر نعمة الإعادة : أن تتأهب للقائه فى كل لحظة وساعة. (وهو الذي يحيى ويميت) ؛ يحيى قلوبا بالمعرفة بعد الجهل ، ويميت قلوبا بالغفلة والجهل بعد العلم واليقظة ، وذلك بالسلب بعد العطاء ، والعياذ بالله. وله اختلاف ليل القبض ونهار البسط على العبد ، ثم يخرجه عنهما ؛ ليكون مع الله لا مع شىء سواه. وبالله التوفيق.
ثم ذكر دلائل ما أنكروه من البعث ، فقال :
(قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٨٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٨٧) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٨) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (٨٩) بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٩٠))
يقول الحق جل جلاله : (قُلْ) يا محمد لمن أنكر البعث : (لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها) من المخلوقات ؛ عاقلا أو غيره ، أي : من أوجدها ، ودبر أمرها ، (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) شيئا؟ والجواب محذوف ، أي : فأخبرونى ؛ فإن ذلك كاف فى الجواب ، (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) ؛ لأنهم مقرّون بأنه الخالق ، فإن أقروا بذلك فقل (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) فتعلمون أنّ من قدر على خلق السماوات والأرض وما فيهن ، كيف لا يقدر على إعادة الخلق بعد عدومها؟ فإن الإعادة أهون من البدء. (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) ، أعيد الرب ؛ تنويها لشأن العرش ، ورفعا لمحله ؛ لئلا يكون تبعا للسماوات والأرض ، وجودا وذكرا ، ولقد روعى فى الأمر بالسؤال الترقي من الأدنى إلى الأعلى ، فإن سألتهم (سيقولون لله) أي : هى لله ، كقولك : من رب هذه الدار؟ فتقول : هى لفلان ، وقال الشاعر :
إذا قيل : من ربّ المزالف والقرى |
|
وربّ الجياد الجرد؟ قيل : لخالد |