حكمته. فالوزن مجاز ، أو ما يوزن حقيقة كالعشب النافعة ، أو كالذهب والفضة وسائر الأطعمة. (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) تعيشون بها من المطاعم والملابس ، (وَ) خلقنا لكم (مَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) من الولدان والخدمة والمماليك ، وسائر ما تظنون أنكم ترزقونهم ظنا كاذبا ؛ فإن الله يرزقكم وإياهم.
قال البيضاوي : وفذلكة الآية : الاستدلال بجعل الأرض ممدودة بمقدار معين ، مختلفة الأجزاء فى الوضع ، محدثة فيها أنواع النباتات والحيوان المختلفة خلقة وطبيعة ، مع جواز ألا تكون كذلك ؛ على كمال قدرته ، وتناهى حكمته ، والتفرد فى ألوهيته ، والامتنان على العباد بما أنعم فى ذلك ليوحدوه ويعبدوه. ثم بالغ فى ذلك فقال : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) أي : وما من شىء إلا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه أضعاف ما وجد منه ، فضرب الخزائن مثلا لاقتداره ، أو شبه مقدوراته بالأشياء المخزونة التي لا يحوج إخراجها إلى كلفة واجتهاد. ه. قال ابن جزى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) ؛ قيل : المطر ، واللفظ أعم من ذلك ، والخزائن : المواضع الخازنة ، وظاهر هذا أن الأشياء موجودة قد خلقت. ه. (وَما نُنَزِّلُهُ) أي : نبرزه من عالم الغيب إلى عالم الشهادة ، (إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) : بمقدار محدود فى وقت معلوم اقتضته الحكمة وتعلقت به المشيئة ، لا يزيد ولا ينقص على ما سبق به العلم.
(وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) : حوامل للماء فى أوعية السحاب ، يقال : لقحت الناقة والشجرة إذا حملت ، فهى لاقحة ، وألقحت الريح الشجر فهى ملقحة. ولواقح : جمع لاقحة ، أي : حاملة ، أو جمع ملقحة على حذف الميم الزائدة ، فهى على هذا ملقحة للسحاب أو الشجر ، ونظيره : الطوائح ، بمعنى المطيحات فى قوله :
ومختبط ممّا تطيح الطّوائح (١)
والرياح أربعة : صبا ، ودبور ، وجنوب ، وشمال. والعرب تسمى الجنوب الحامل واللاقحة ، وتسمى الشمال الحائل والعقيم. وفى البخاري صلىاللهعليهوسلم : «نصرت بالصّبا ، وأهلكت عاد بالدّبور» (٢). وروى أبو هريرة رضي الله عنه ، عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «الرّيح الجنوب من الجنة ، وهى اللواقح التي ذكر الله ، وفيها منافع للناس» (٣). وفى حديث : «الرّيح من نفس الرحمن» (٤). والإضافة هنا إضافة خلق إلى خالق ، كما قال : (مِنْ رُوحِي) (٥). ومعنى نفس الرحمن ، أي :
__________________
(١) عجز بيت صدره : (لبيك يزيد صارع لخصومة). وينسب البيت لأكثر من واحد ، والمختبط : طالب العرف المحتاج ، تطيح : تذهب وتهلك ، والطوائح : جمع المطيحة ، بمعنى السنين أو الجوائح. انظر حاشية الشهاب (٥/٢٨٩).
(٢) أخرجه البخاري ؛ (كتاب الاستسقاء ، باب إذا هبت الريح) من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ.
(٣) أخرجه ابن جرير فى تفسيره. وو زاد السيوطي ، فى الدر المنثور (٤ / ١٧٩) ، عزوه لابن أبى الدنيا فى كتاب السحاب ، وأبى الشيخ فى العظمة ، والديلمي فى المسند ، وابن مردويه ، من حديث أبى هريرة.
(٤) أخرجه أبو داود فى (الأدب ، باب : ما يقول إذا هاجت الريح) ، عن أبى هريرة ، مرفوعا ، بلفظ : (الريح من روح الله) ؛ مطولا.
(٥) من الآية ٢٩ من سورة الحجر.