والمشاهدة. وزيناها للناظرين ؛ أي : السائرين حتى يقطعوها جملة محمولين بعناية الجذب ، حتى يحلو لهم ما كان مرا على غيرهم ، وحفظنا سماء قلوبهم من طوارق الشيطان ، إلا ما كان طيفا خياليا لا يثبت ، بل يتبعه شهاب الذكر فيحرقه ، وأرض النفوس مددناها لقيام رسم العبودية ، وظهور عالم الحكمة وآثار القدرة ، وألقينا فيها جبال العقول الرواسي ، لتعرف الرب من المربوب الذي اقتضته الحكمة. وأنبتنا فيها من العلوم الرسمية والعقلية ، ما قدر لها فى العلم المكنون ، وجعلنا لكم فيها من علم اليقين ، وعين اليقين ، وحق اليقين ما تتقوت به قلوبكم ، وتعيش به أرواحكم وأسراركم ، وتعولون به من لستم له برازقين من المريدين السائرين.
سئل سهل رضي الله عنه عن القوت ، فقال : هو الحي الذي لا يموت ، فقيل : إنما سألناك عن القوام. فقال : القوام هو العلم ، فقيل : سألناك عن الغذاء ، فقال : الغذاء هو الذكر ، فقيل : سألناك عن طعام الجسد ، فقال : مالك وللجسد ، دع من تولّاه أولا يتولاه آخرا ، إذا دخلت عليه علة رده إلى صانعه ، أما رأيت الصنعة إذا عيبت ردوها إلى صانعها حتى يصلحها. وأنشدوا :
يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته |
|
وتطلب الربح مما فيه خسران |
عليك بالنفس فاستكمل فضيلتها |
|
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان |
واستكمال فضيلة النفس هو تزكيتها وتحليتها حتى تشرق عليها أنوار العرفان ، وتخرج من سجن الأكوان. وبالله التوفيق. ثم قال تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ) من الأرزاق المعنوية والحسية ، أو العلوم اللدنية ، والفتوحات القدسية ، (إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) ؛ فمن توجه بكليته إلينا فتحنا له خزائن غيبنا ، وأطلعناه على مكنون سرنا شيئا فشيئا ، (وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ). وقال الورتجبي : علم الإشارة فى الآية : دعوة العباد إلى حقائق التوكل ، وهى : قطع الأسباب ، والإعراض عن الأغيار ، قيل : كان الجنيد رضي الله عنه إذا قرأ هذه الآية ؛ (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) ، قال : فأين تذهبون؟. وقال حمدون : قطع أطماع عبيده عمن سواه بقوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) ، فمن رفع بعد هذا حاجته إلى غيره ، فهو لجهله ولؤمه. ه.
وأرسلنا رياح الهداية لواقح ، تلقح الطمأنينة والمعرفة فى قلوب المتوجهين ، وتلقح اليقين والتوفيق فى قلوب الصالحين ، وتلقح الإيمان والهداية فى قلوب المؤمنين ، فأنزلنا من سماء الغيب ماء العلم اللدني ، فأسقيناكموه على أيدى وسائط الشيوخ ، أو بلا واسطة ، وما أنتم له بخازنين ، بل يفيض على قلوبكم عند غلبة الحال ، أو لهداية مريد ، أو عند الاحتياج إليه عند استفتاح القلوب ، وإنا لنحن نحيى قلوبا بالمعرفة واليقين ، ونميت قلوبا بالجهل والكفر ، ونحن الوارثون ؛ لبقاء أنوارنا على الأبد. ولقد علمنا المستقدمين منكم إلى حضرة قدسنا بالاستعداد ، وإعطاء الكلية