الإشارة : اعلم أن الخمرة الأزلية ، حين تجلت فى مرائى جمالها ، تلونت فى تجليها ، فتجلت نورانية ونارية ، ومائية وترابية ، وسماوية وهوائية ، إلى غير ذلك من ألوان تجلياتها ، فكانت الملائكة من النور ، والجن من النار ، والآدمي من التراب ، إلا أن الآدمي فيه روح نورانية سماوية ، فاجتمع فيه الضدان : النور والظلمة ؛ فشرف قدره فى الجملة ، فاستحق الخلافة ، فإذا غلبت روحانيته على جسمانيته فضل على جميع التجليات ، وما مثاله إلا كالمرآة التي خلفها الطلاء ، فينطبع فيه الوجود بأسره ، إذا صقلت مرآة قلبه ، فتكون معرفته بالحق أجلى وأنصع من معرفة غيره ؛ لأن المرآة التي خلفها الطلاء يتجلى فيها ما يقابلها أكثر من غيرها. وأيضا بشرية الآدمي كالياقوتة السوداء إذا صقلت كانت أعظم اليواقيت. وسيأتى بقية الكلام عند قوله تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) (١) إن شاء الله.
ثم ذكر تشريف آدم الملائكة بالسجود له ، فقال :
(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٢٩) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١) قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢) قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨) قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١))
قلت : (وإذ قال) : ظرف لاذكر ، وقوله : (فقعوا) : أمر ، من وقع ، يقع ، قع ، فهو مما حذفت فاؤه. وقوله : (فَسَجَدَ) معطوف على محذوف ، أي : فخلقه ، وأمر الملائكة فسجدوا.
__________________
(١) من الآية ٧٠ من سورة الإسراء.