ثم ذكر قصة إبراهيم مع أضيافه ؛ لاشتمالها على الرحمة ، وهى البشارة بالولد ، وعلى النقمة ، وهى الإعلام بتعذيب قوم لوط ، فقال :
(وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (٥١) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (٥٢) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٥٣) قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (٥٤) قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (٥٥) قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ (٥٦) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٩) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ (٦٠))
قلت : (سَلاماً) : مفعول بمحذوف ، أي : سلمنا سلاما ، أو نسلم عليكم سلاما. والضيف يطلق على الواحد والجماعة ، والمراد هنا : جماعة من الملائكة. و (تبشرون) : قرئ بشد النون ؛ بإدغام نون الرفع فى نون الوقاية ، وبالتخفيف ؛ بحذف إحدى النونين ، وبالفتح ، على أنها نون الرفع. و (يقنط) : بالفتح والكسر ، يقال : قنط كضرب وعلم.
يقول الحق جل جلاله : (وَنَبِّئْهُمْ) أي : وأخبر عبادى (عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) حين بشروه بالولد ، وأعلموه بعذاب قوم لوط ، لعلهم يعتبرون فيرجون رحمته ويخافون عذابه. أو : ونبئهم أن من اعتمد منهم على كفره وغوايته ، فالعذاب لاحق به فى الدنيا ، كحال قوم لوط. ثم ذكر قصتهم من أولها فقال : (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) ، وذلك حين (دَخَلُوا عَلَيْهِ) ، وهم أربعة : جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ، (فَقالُوا سَلاماً) أي : نسلم عليكم سلاما ، قال : سلام ، ثم أتاهم بعجل حنيذ ، فلما قربه إليهم ، قالوا : إنا لا نأكل طعاما إلا بثمن ، فقال إبراهيم : إن له ثمنا ، قالوا : وما ثمنه؟ قال : تذكرون اسم الله على أوله ، وتحمدونه على آخره ، فنظر جبريل إلى ميكائيل فقال : حق لهذا أن يتخذه ربه خليلا ، فلما رأى أنهم لا يأكلون فزع منهم. ومن طريق آخر : أن جبريل مسح بجناحه العجل ، فقام يدرج حتى لحق بأمه فى الدار. ه. هكذا ذكر القصة المحشى الفاسى عن ابن حجر.
فلما أحس إبراهيم عليهالسلام بالخوف منهم (قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ) : خائفون ؛ إما لامتناعهم من أكل طعامه ، أو لأنهم دخلوا بغير إذن ، أو فى غير وقت الدخول. والوجل : اضطراب النفس لتوقع مكروه. (قالُوا لا تَوْجَلْ) :