ونحن على دينكم. فأنزل الله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ ، أَوْلِياءُ بَعْضٍ) أي : فألحقوا المشركين بعضهم ببعض حتّى يكون حكمكم فيهم واحدا. (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ) أي شرك (فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ).
وقال بعضهم : كان [ينزل] (١) الرجل بين المشركين والمسلمين فيقول : أيّهم ظفر كنت معه ، فأنزل الله في ذلك. فلا تراءى ناران : نار مشرك ونار مسلم إلّا صاحب جزية مقرّ بها.
ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث سريّة إلى أناس من خثعم كان فيهم لهم وليجة (٢) ولجوا إليهم. فلمّا رأوهم استعصموا بالسجود فقتل بعضهم. فبلغ ذلك النبيّ عليهالسلام فقال : أعطوهم نصف العقل. ثمّ قال يومئذ عند ذلك : ألا إنّي بريء من كلّ مسلم مع مشرك في داره. قيل : لم يا رسول الله؟ قال : ألا لا تراءى ناراهما (٣).
ذكر الحسن قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم ، فمن ساكنهم أو جامعهم فهو منهم (٤). وهذا مثل الحديث الأوّل.
قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا) :
__________________
(١) زيادة من تفسير الطبري ، ج ١٤ ص ٨٥ للإيضاح. والقول لقتادة ، وفي آخره : «إلّا صاحب جزية مقرّ بالخراج».
(٢) الوليجة : بطانة الرجل وخاصّته. وقيل هي : بطانة الرجل من غير أهله خاصّة. وقال الفرّاء في معاني القرآن ، ج ١ ص ٤٢٦ : «هي البطانة من المشركين». وقال السجستانيّ في غريب القرآن ، ص ٢٠٤ : «والرجل يكون في القوم وليس منهم وليجة».
(٣) أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد ، باب النهي عن قتل من اعتصم بالسجود (٢٦٤٥). وأخرجه الترمذيّ في السير ، باب ما جاء في كراهية المقام بين أظهر المشركين ، كلاهما من حديث جرير بن عبد الله ، ولفظه عند أبي داود : «أنا بريء من كلّ مسلم يقيم بين أظهر المشركين ، قالوا : يا رسول الله ، لم؟ قال لا تراءى ناراهما».
(٤) أخرجه الترمذيّ في السير ، في نفس الباب السابق ، عن سمرة بن جندب ، وأخرجه أبو داود في كتاب الجهاد ، باب في الإقامة بأرض الشرك (٢٧٨٧). وانظر فقه هذين الحديثين في شرح السنّة للبغويّ ج ١٠ ، ص ٢٤٤ ـ ٢٤٧.