الْفاسِقِينَ) أي لا يكونون بالفسق مهتدين عند الله ، من فاسق مشرك أو منافق ؛ وهو فسق فوق فسق ، وفسق دون فسق.
قوله : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ) : يعني يوم بدر والأيّام التي نصر الله فيها النبيّ عليهالسلام والمؤمنين. وقال مجاهد : يعرّفهم بنصره ويوطّئهم (١) لغزوة تبوك.
قال : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) : أي بسعتها (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) (٢٥) : أي منهزمين.
وذلك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم سار إلى حنين ، بعد فتح مكّة ، فلقي بها جمع هوازن [وثقيف وهم] (٢) قريب من أربعة آلاف ، ورسول الله في قريب من عشرة آلاف في تفسير الكلبيّ. وقال بعضهم : وهو في اثني عشر ألفا.
فلمّا التقوا قال رجل من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لن نغلب اليوم من قلّة. فوجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم من كلمته وجدا شديدا. وخرجت هوازن ومعها دريد بن الصمّة ، وهو شيخ كبير ، فقال دريد : يا معشر هوازن ، أمعكم من بني كلاب أحد؟ قالوا : لا. قال : أفمن بني كعب أحد؟ قالوا : لا. قال : أفمن بني عامر؟ قالوا : لا. قال : أفمعكم من بني هلال بن عامر أحد؟ قالوا : لا. قال : أما والله لو كان خيرا ما سبقتموهم إليه ، فأطيعوني وارجعوا ، فعصوه فاقتتلوا. فانهزم أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتّى قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إليّ عباد الله (٣).
__________________
(١) في ق وع : «يوطّئهم» ، وفي ج ود : «يوطنهم» ، وكلا المعنيين من التوطئة بمعنى التسهيل والتهيئة النفسيّة. والتوطين ، بمعنى التعويد ، محتمل.
(٢) زيادة من ز ، ورقة ١٢٥.
(٣) جاء في مغازي الواقدي ، ج ٣ ص ٨٩٧ ـ ٨٩٨ عن أنس : «فسمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والتفت عن يمينه ويساره ، والناس منهزمون ، وهو يقول : يا أنصار الله وأنصار رسوله». وفي سيرة ابن هشام ، ج ٣ ص ٤٤٣ جاء نداء رسول الله عليهالسلام بهذا اللفظ : «أين أيّها الناس ، هلمّوا إليّ ، أنا رسول الله ، أنا محمّد بن عبد الله».