فأخذ العبّاس بثفر (١) بغلة رسول الله ، ثمّ نادى : يا معشر المهاجرين الذين بايعوا تحت الشجرة ، يا معشر الأنصار الذين آووا ونصروا ، إنّ هذا رسول الله عليهالسلام ، هلمّ لكم. وكان العبّاس رجلا صيّاحا (٢) ، فأسمع الفريقين كليهما ، فأقبلوا جميعا ؛ فأمّا المؤمنون فأقبلوا لنصر الله ونصر رسوله ، وأمّا المشركون فأقبلوا ليطفئوا نور الله. فالتقوا عند رسول الله ، واقتتلوا قتالا شديدا.
(ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) : والسكينة في تفسير الحسن : الوقار. وقال بعضهم : الرحمة. (وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها) : يعني الملائكة (وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) : أي بالقتل. وهو عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة (وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) (٢٦).
ذكروا أنّ رجلا من بني نصر قال للمؤمنين وهو في أيديهم أسير : أين الخيل البلق والرجال الذين عليهم الثياب البيض؟ وإنّما كان قتلنا بأيديهم ، ما كنّا نراكم فيهم إلّا كهيئة الشامة. قالوا : تلك الملائكة.
قال الله : (ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢٧).
ذكروا أنّ حنينا ما بين مكّة وبين الطائف ، قاتل عليه نبيّ الله يومئذ هوازن وثقيفا.
ذكر لنا أنّه خرج مع نبيّ الله يومئذ اثنا عشر ألفا ؛ عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وألفان من الطلقاء. فقال رجل يومئذ : لن نغلب اليوم لكثرة. فجلوا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتّى نزل عن بغلته الشهباء فقال : يا ربّي أين ما وعدتني. وجعل ينادي : يا معشر المهاجرين ، [يا معشر الأنصار] (٣). فالتفت فإذا عصابة من الأنصار فقال : أما معكم
__________________
(١) الثفر ، بالتحريك : السير الذي في مؤخّر السرج ، وثفر الدابّة : الذي بجعل تحت ذنبها. انظر اللسان : (ثفر).
(٢) كذا في ع وق وج ود : «رجلا صيّاحا». وفي ز ، ورقة ١٢٥ : «رجلا صيّتا» أي شديد الصوت عاليه.
(٣) زيادة من ز ، ورقة ١٢٥. وقد جاءت هذه الرواية هنا مختصرة. وقد أوردها الطبريّ مفصّلة عن قتادة في تفسيره ، ج ١٤ ص ١٨٠. واقرأها مفصّلة أيضا في كتب السير والتاريخ تجد ما قاله الرسول عليهالسلام في ـ