ويذهب ولا يبقى. وما في الآخرة باق دائم ، لا يفنى ولا يذهب. كقوله (ما عِنْدَكُمْ) أي في الدنيا (يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ) أي في الآخرة (باقٍ) [النحل : ٩٦] وكقوله : (إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ) (٥٤) [سورة ص : ٥٤] أي : من فناء.
(إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) : أي موجعا. قال الحسن : يعني به العامّة الذين فرض عليهم الجهاد مع النبيّ عليهالسلام. وكان الجهاد يومئذ مع النبيّ فريضة. وقد كان النبيّ يخلّف قوما بالمدينة ، وفيهم من قد وضع عنه الجهاد. وكان هذا حين أمروا بغزوة تبوك [في الصيف حين طابت الثمار واشتهوا الظلّ] (١). (وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) : يقول : يهلككم بالعذاب ويستبدل قوما غيركم (وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً) : إن أهلككم (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٣٩). وفي هذه الآية دليل على أهل الفراق أنّ هؤلاء الذين وعدوا بالعذاب ممّن ناداهم الله بالإيمان ، وسمّاهم بما قبلهم من خصال الإيمان كلّما قيل المؤمنون فقال : (إِلَّا تَنْفِرُوا) أنتم الذين نودوا بالإيمان وسمّوا به ، (يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) فلا يجوز لواصف أن يصف الله أنّه يعذبهم ـ إن لم ينفروا كما استنفرهم ـ وهم مؤمنون (٢). قال بعضهم : استنفر الله المؤمنين في شدّة لهبان الحرّ في غزوة تبوك على ما يعلم من الجهد. وفيها قيل ما قيل.
قوله : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ) : يعني النبيّ عليهالسلام (فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) : أي من مكّة (ثانِيَ اثْنَيْنِ) : أي أخرجوه ثاني اثنين (إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا).
__________________
(١) زيادة من ز ، ورقة ١٢٦.
(٢) هذا من كلام الشيخ هود الهوّاريّ ولا شكّ ، وقد ورد في المخطوطات الأربع : ق ، ع ، د ، ج ، وأكاد أجزم أنّه غير موجود في تفسير ابن سلّام الأصليّ ؛ لأنّه غير موجود في ز. ونرى في هذا نموذجا من أساليب الشيخ هود في إثبات أصل من أصول الإباضيّة في مسألة من مسائل الخلاف كمسألة الإيمان والكفر ، وجزاء أصحاب الكبائر من المؤمنين إن لم يتوبوا قبل موتهم ؛ كما نرى فيه طريقة من طرق حواره مع من يسمّيهم بأهل الفراق ، قارن هذا بقول الطبريّ وبقول ابن عبّاس حين سئل عن قوله : (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) وأنّ هذا العذاب هنا كان إمساك المطر عنهم. انظر تفسير الطبري ، ج ١٤ ص ٢٥٤ ـ ٢٥٥.