وذلك أنّ قريشا لمّا اجتمعوا في دار الندوة ، فتوامروا بالنبيّ ، أجمع رأيهم على ما قال عدوّ الله أبو جهل من قتله. وقد فسّرنا ذلك في سورة الأنفال (١).
فأوحى الله عزوجل إليه فخرج هو وأبو بكر ليلا حتّى انتهيا إلى الغار ، ونام عليّ على فراش رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فطلبه المشركون ، فلم يجدوه. ووجدوا عليّا على فراشه ، فطلبوا الأثر. وقد كان أبو بكر دخل الغار قبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلمس الغار ينظر ما فيه ، لئلّا يكون فيه سبع أو حيّة ، يقي رسول الله صلىاللهعليهوسلم بنفسه.
ثمّ دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم الغار ، وأخذ ثمامة فوضعها على باب الغار ، فجعلا يستمعان وقع حوافر دوابّ المشركين في طلبهما. فجعل أبو بكر يبكي ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما يبكيك يا أبا بكر؟ قال : أخاف أن يظهر عليك المشركون فيقتلوك يا رسول الله ، فلا يعبد الله بعدك أبدا. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا). فجعل أبو بكر يمسح الدموع عن خدّه. وكان أبو بكر أرقّ الخلق كلّهم وأحضره دموعا (٢).
(فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) : قال الحسن : السكينة : الوقار. وقال بعضهم : السكينة : الرحمة.
قال : (وَأَيَّدَهُ) : أي وأعانه (بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) : يعني الملائكة عند قتالهم المشركين بعد.
قال مجاهد : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ) يقول : فالله فاعل ذلك به ، أي ناصره كما نصره إذ هو ثاني اثنين.
قال : (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى) : وهي كلمة الكفر (وَكَلِمَةُ
__________________
(١) انظر ما سلف في هذا الجزء ، تفسير الآية ٣٠ من سورة الأنفال.
(٢) تذكر بعض الروايات في كتب السيرة أنّ بكاه أبي بكر الصدّيق كان في الغار ، وتذكر أخرى أنّ ذلك كان عندما اقترب منهما سراقة في الطريق. ولا تنافي بين الروايات ، فلعلّ ذلك كان في كلتا الحالتين فقد كان أبو بكر رضي الله عنه رقيق القلب كثير البكاء.