قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) : على الاستفهام ، أي : لا أحد أظلم منه. وافتراؤهم على الله أن قالوا إنّ الله أمرهم بما هم عليه من عبادة الأوثان ، وتكذيبهم بمحمّد ، يعني به مشركي العرب.
قوله : (أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ) : [أي : الأنبياء] (١). (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (١٨).
ذكروا عن صفوان بن محرز أنّه قال : بينما أنا أحدّث ابن عمر إذ عارضه رجل فقال : يا أبا عبد الرحمن ، كيف سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم في مسألة الربّ عبده المؤمن يوم القيامة؟ قال : سمعته يقول : إنّ الله يسأل عبده المؤمن يوم القيامة ، ويخبره بستره من الناس ، فيقرّره بذنوبه ، فيقول : عبدي ، أتعرف ذنب كذا وكذا؟ فيقول : يا ربّ ، أعرف ؛ حتّى إذا قرّره بذنوبه ، وظنّ في نفسه أنّه قد هلك قال : فإنّي قد سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم ؛ ثمّ يعطى كتاب حسناته. وأمّا الكافر والمنافق فإنّه ينادي الأشهاد : (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ ، أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (٢).
والكذب على الله من وجهين : فكذب المشركين ادّعاؤهم الأنداد والأولاد لله. وكذب المنافقين في نصبهم الحرام دينا ، وادّعاؤهم على الله دينا غير دينه ، واستحلالهم ما حرّم الله.
__________________
(١) زيادة من ز ، ورقة ١٤٤. وقد اختلف العلماء في الأشهاد على خمسة أقوال ؛ فقيل : هم الرسل ، وقيل : هم الملائكة ، وقيل : الناس عامّة ، وقيل : الجوارح. انظر ابن الجوزي ، زاد المسير ، ج ٤ ص ٨٩.
(٢) في المخطوطات : «ويخبره من يستره من الناس» ، وهو خطأ ، صوابه ما أثبتّه. والحديث متّفق عليه ، أخرجه البخاري مرارا ، فأخرجه في كتاب التفسير ، سورة هود. وأخرجه مسلم في كتاب التوبة ، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله (رقم ٢٧٦٨). وأخرجه ابن ماجه في المقدّمة ، الحديث (رقم ١٨٣). وانظر تفسير الطبري ، ج ٦ ص ١٢٠ ، وج ١٥ ص ٢٨٤ ، كلّهم يروى الحديث من طريق قتادة عن صفوان بن محرز عن ابن عمر عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وهو حديث النجوى. وانظر : الطرسوسي ، مسند عبد الله بن عمر ، (رقم ٢٦) ص ٢٧.