قوله : (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) : وهي في قراءة ابن مسعود : (أعصر عنبا). (وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً) : وهي في قراءة ابن مسعود : قصعة من ثريد. (تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (٣٦).
قال بعضهم : كان إحسانه ، فيما بلغنا ، أنّه كان يداوي جرحاهم ، ويعزّي حزينهم ، ورأوا منه إحسانا فأحبّوه على فعله (١). وكان الذي قال : (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) ساقي الملك على شرابه ، وكان الذي قال : (إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ) خبّاز الملك على طعامه. فقال للخبّاز : إنّك تصلب وتأكل الطير من رأسك ، وقال لساقيه : أمّا أنت فتردّ على عملك. فذكر لنا أنّهما قالا حين عبّر لهما الرؤيا : لم نر شيئا ، فقال : (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ).
وقال الكلبيّ : قال الساقي : إنّي رأيت فيما يرى النائم أنّي دخلت الكرم ، فإذا أنا بحبلة (٢) حسنة الورق والظلّ ، ذات قضبان ثلاثة. فنظرت إلى القضبان فإذا أنا فيها بعنب قد طاب. فأخذت من العنب ، فعصرته في كأس الملك ، ثمّ أعطيته إيّاه ، فأخذه من يدي فشربه. فقال له يوسف : نعم الرؤيا رأيت. أمّا الحبلة التي رأيت وظلّها وحسن ورقها فهو عملك الذي كنت عليه ، وأمّا القضبان الثلاثة فهي ثلاثة أيّام تكون في السجن ، ثمّ يسأل عنك الملك ، فيردّك إلى عملك ، ثمّ تعطيه الكأس فيأخذها من يدك ويشربها. ثمّ قال له يوسف : اذكرني عند ربّك ، أي : عند الملك ، لعلّه يخرجني من مكاني.
وقال الخبّاز : رأيت أنّي أحمل فوق رأسي خبزا ، وقال : يا يوسف ، عبّر رؤياي كما عبّرت لصاحبي ، فقال له يوسف : وما رؤياك؟ فقال : رأيت فيما يرى النائم أنّي خارج من مطبخ
__________________
(١) هذا قول رواه قتادة وهو هنا مختصر ، انظر تفصيله ، وخبر يوسف مع من كانوا معه في السجن ، وحسن معاملته إيّاهم في تفسير الطبريّ ، ج ١٦ ص ٩٩.
(٢) الحبلة ، والحبلة والحبلة : الكرم مطلقا ، وقيل : الأصل من أصول الكرم ، أو : طاق من قضبان الكرم. وهذان المعنيان الأخيران هما المقصودان هنا. انظر اللسان : (حبل).