قال بعضهم : فلمّا قال يوسف هذا قال الملك الذي تشبّه بيعقوب حين فرج سقف البيت ، فأشرف عليه حين همّت به وهمّ بها ، قال : ولا حين حللت سراويلك ، أي : لم تخنه ولا حين حللت سراويلك؟. وقال بعضهم : إنّ جبريل عليهالسلام قال : فما فعلت السراويل؟ (١) قال يوسف :
(وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥٣) : يعني الهمّ الذي همّ بها.
كان بعض السلف يقول : إذا أذنب أنبياؤه عجّل لهم العقوبة في الدنيا والتنبيه والتذكير ، يريدهم التطهير. وإنّما أخّرنا نحن إذ لم يعجّل عقوبتنا ، لعقاب الآخرة ، وليس ذلك لما هو خير لنا. بل ذلك شرّ لنا.
قال الحسن : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ) أي : الآن جاء الحقّ. وذكر بعضهم في قوله : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) قال : ذكر لنا أنّ الملك الذي كان مع يوسف قال له : اذكر ما كنت هممت به ، فقال يوسف : وما أبرّئ نفسي (٢).
قوله : (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) : أي : أتّخذه لنفسي.
فأتوه به من السجن. (فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا) : أي عندنا (مَكِينٌ) : أي في المكانة والمنزلة. (أَمِينٌ) (٥٤) : أي من الأمانة ، كقول الجارية لأبيها في موسى ، إذ قالت : (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) (٢٦) [القصص : ٢٦] يعني موسى
__________________
(١) وهذا كلّه من الإسرائيليّات الساقطة أو من خيال القصّاص المولعين بغرائب الأخبار. ومعاذ الله أن يثبت في هذا وأمثاله خبر صحيح عن الصادق المصدوق صلىاللهعليهوسلم.
(٢) هذا القول نسبه المؤلّف إلى يوسف عليهالسلام كما نسبه إليه كثير من محقّقى المفسّرين ، ومنهم ابن عبّاس ومجاهد والطبريّ. ولم يشر المؤلّف إلى قول من ذهب إلى أنّ قوله : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) هو من قول المرأة ، فهنالك من المفسّرين من ذهب إلى هذا. ومعناه : وما أبرّئ نفسي أنّي راودته عن نفسه فإنّ النفس أمّارة بالسوء. وممّن ذهب إلى هذا القول الحافظ ابن كثير ؛ فقد قال في تفسيره ، ج ٤ ص ٣٢ : «وهذا القول هو الأشهر والأليق والأنسب بسياق القصّة ومعاني الكلام».