على يوسف (وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ) : أي : عمي (مِنَ الْحُزْنِ) : على يوسف. وقد علم بما أعلمه الله بالوحي أنّ يوسف حيّ ، وأنّه نبيّ ، ولكنّه لا يعلم حيث هو ، فمكث يبكي. (فَهُوَ كَظِيمٌ) (٨٤) : أي قد كظم على تردّد حزنه في جوفه.
وبلغنا أنّ جبريل عليهالسلام دخل على يوسف صلّى الله عليه وعلى جميع الأنبياء في السجن ، فقال له يوسف : أيّها الملك الطاهر المطهّر ، الكريم على الله ، ما أدخلك هذا المكان الرجس النجس مع القوم الظلمة؟ قال جبريل : إنّ المكان الذي تكون فيه ليس بنجس. فقال له يوسف : أيّها الملك الكريم على الله ، أخبرني ما بلغ وجد يعقوب على يوسف؟ قال : وجد سبعين ثكلى. قال : فما بلغ منه؟ قال : ذهب بصره. قال فما بلغ أجره؟ قال : على قدر ذلك (١).
وذكر بعضهم أنّ ملك الموت دخل على يعقوب فقال له يعقوب : أيّها الملك الكريم على ربّه ، أسألك بعظمة إلهك وجبروته هل قبضت روح يوسف فيما قبضت من الأرواح؟ فقال : لا والله ما قبضت روحه وإنّه لحيّ كما أنّك حيّ.
قوله : (قالُوا تَاللهِ) : وهو قسم (تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) : أي لا تزال تذكر يوسف (٢) (حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً) : أي : حتّى تبلى (٣) (أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ) (٨٥) : أي : أو تموت. وقال مجاهد : (تفتأ) أي : لا تفتأ ، أي : لا تفتر عن ذكر يوسف أو
__________________
ـ ص ٢١٦. فإنّ الجزع يتنافى والصبر الجميل. وقد روى الطبري في تفسيره ج ١٦ ص ٢١٧ : «عن سعيد بن جبير قال : لم يعط أحد غير هذه الأمّة الاسترجاع ، ألا تسمعون إلى قول يعقوب : يا أسفى على يوسف».
(١) كذا في المخطوطات الأربع : «على قدر ذلك». وفي تفسير الطبريّ ، ج ١٦ ص ٢٢٨ ـ ٢٣٠ : «قال أجر مائة شهيد» ، وفي رواية : «أجر سبعين شهيدا». وقد أورد الطبريّ الخبر من طرق كثيرة عن ثابت البنانيّ ، وعن عكرمة وعن السدّيّ وغيرهم.
(٢) انظر ما قاله الفرّاء في معاني القرآن ج ٢ ص ٥٤ في تفسير قوله تعالى (لا تفتأ) وتعليل حذف «لا» ، بشواهده فإنّه كلام نفيس في مباحث العربيّة. وقد نقل ذلك الطبريّ وفصّله في تفسيره ، ج ١٦ ص ٢٢٠ ـ ٢٢١.
(٣) قال الطبريّ : «وأصل الحرض : الفساد في الجسم والعقل من الحزن أو العشق». وهو ما قاله أبو عبيدة قبله في مجاز القرآن ، ج ١ ص ٣١٦ : قال : «والحرض الذي أذابه الحزن أو العشق وهو في موضع محرض».