بالماء ، فينبت عليه الزرع والمرعى ، فينتفع به. وينتفع بذلك الحليّ والمتاع الخالص من الصفر والحديد والرصاص. فهذا عمل المؤمن يبقى ثوابه في الآخرة.
قوله : (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) (١٧). ثمّ فسر تلك الأمثال فقال :
(لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ) : أي آمنوا بربّهم (الْحُسْنى) : أي الجنّة.
(وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ) : أي الكفّار (لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ).
ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : ((يقال للكافر يوم القيامة : لو أنّ لك ملء الأرض ذهبا أكنت مفتديا به؟ فيقول : نعم. فيقال له : كذبت. قد سئلت ما هو أهون من ذلك)) (١).
قال : (أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ) : أي لافتدوا به من سوء الحساب ؛ يؤخذون بسيّئاتهم ، وتحبط حسناتهم ؛ أي : قد استوفوها في الدنيا ، فلهم سوء الحساب في الآخرة. وسوء الحساب : شدّته. وحسابهم : أن يصيروا إلى النار. (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) : أي ومنزلهم جهنّم (وَبِئْسَ الْمِهادُ) (١٨) : أي وبئس الفراش. والمهاد والفراش والقرار واحد ، مثل قوله : (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) [البقرة : ٢٢] ومهادا وبساطا وقرارا. قوله : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) : أي القرآن الحقّ ، (كَمَنْ هُوَ أَعْمى) : أي عنه. يعني به الكافر ، وهو على الاستفهام. يقول : فهل يستوي هذا المؤمن وهذا الكافر؟ أي : إنّهما لا يستويان. (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) (١٩) : أي أولو العقول ، وهم المؤمنون.
(الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) (٢٠) : أي الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم حيث قال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [الأعراف : ١٧٢]. يقول : أوفوا بذلك الميثاق ، يعني المؤمنين الذين آمنوا بمحمّد عليهالسلام.
__________________
(١) حديث متّفق عليه ، أخرجه البخاريّ في كتاب الرقاق ، باب من نوقش الحساب عذّب ، وأخرجه مسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ، باب طلب الكافر الفداء بملء الأرض ذهبا (رقم ٢٨٠٥) كلاهما يرويه من حديث أنس بن مالك.