قوله : (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ) : أي عن المعاصي (وَالْمُنْكَرِ) : أي الكذب (وَالْبَغْيِ) : أي أن يبغي بعضهم على بعض. وكلّ هذا من المعاصي. (يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٩٠) : ذكر مجاهد عن ابن عبّاس قال : لو أنّ جبلا بغى على جبل لدكّ الباغي منهما.
ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : ما من ذنب أجدر أن يعجّل لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدّخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم (١).
بلغنا أنّه لمّا نزلت هذه الآية قال بعض المشركين : إنّ هذا الرجل ، يعنون محمّدا ، ليأمر بمحاسن الأخلاق.
قوله : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) : يعني المؤمنين ، على السمع والطاعة. (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) : أي بعد توكيد العهد ، يقول : بعد تشديدها وتغليظها (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) (٩١) : قال الحسن : عهد الأنبياء ، (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) يقول : وقد تكفّل الله لكم بالجنّة إن تمسّكتم بدينه.
قوله : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً) ناكثون العهد ، يعني المؤمنين ، ينهاهم عن ذلك. قال : فيكون مثلكم ، إن نكثتم العهد ، كالتي نقضت غزلها من بعد قوّة ، أي : من بعدما أبرمته ، فنقضته بعد ما كان غزلا قويّا ، (أنكاثا) أي : عن العهد. قال : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) وهو تقديم ، وفيه إضمار.
قال : (تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ) : أي عهدكم (دَخَلاً بَيْنَكُمْ) : أي خيانة وغدرا ، كما صنع المنافقون الذين خانوا الله إذ نقضوا الأيمان فقالوا ولم يعملوا ، وتركوا الوفاء بما أقرّوا لله
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في الأدب المفرد ، وأخرجه أحمد والترمذيّ ، وأخرجه أبو داود في كتاب الأدب ، باب النهي عن البغي (رقم ٤٩٠٢) ، وأخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد ، باب البغي (رقم ٤٢١١). وأخرجه ابن حبّان والحاكم كلّهم عن أبي بكرة مرفوعا ، وأخرجه الطبرانيّ عن أبي بكرة بزيادة ؛ «وإنّ أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم ، حتّى إنّ أهل البيت ليكونوا فجرة فتنمو أموالهم ويكثر عددهم إذا تواصلوا».