كتب بذلك المؤمنون إلى أصحاب لهم بمكّة ، وخرجوا فأدركهم المشركون فردّوهم ، فأنزل الله : (الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (٢) [العنكبوت : ١ ـ ٢] ، والآية الأخرى التي بعدها. فكتب بها أهل المدينة إلى أهل مكّة. فلمّا جاءهم ذلك تبايعوا أن يخرجوا ، فإن لحق بهم المشركون أن يقاتلوهم ، حتّى يلحقوا بالله أو ينجوا ، فأنزل الله : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ...) إلى آخر الآية.
قوله : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) : قال الحسن : إنّ كلّ نفس توقف بين يدي الله للحساب ، ليس يسألها عن عملها إلّا الله.
قال : (وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) : من خير أو شرّ (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (١١١). أمّا الكافر فليس له من حسناته في الآخرة شيء ، قد استوفاها في الدنيا. وأمّا سيّئاته ، فيوفّاها في الآخرة ، يجازى بها النار. وأمّا المؤمن فهو الذي يوفّى الحسنات في الآخرة ، وأمّا سيّئاته فإنّ منهم من لم يخرج من الدنيا حتّى ذهبت سيّئاته بالبلايا والعقوبة ؛ كقوله : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (٣٠) [الشورى : ٣٠]. ومنهم من تبقى عليه من سيّئاته فيفعل الله فيه ما يشاء. وقد بلغنا (١) أنّ منهم من تبقى عليه عند الموت فيشدّد عليه في خروج نفسه. ومنهم من تبقى عليه فيشدّد عليه في القبر ، ومنهم من تبقى عليه فيشدّد عليه في الموقف. ومنهم من تبقى عليه منها فيشدّد عليه عند الصراط ، حتّى يلقى الله وقد غفر له ذنوبه كلّها (٢).
قوله : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢) وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ) (١١٣).
__________________
(١) هذه الكلمة يوحي ظاهرها أنّ الخبر بلغ الشيخ هودا ، والصحيح أنّها من يحيى بن سلّام. ففي سع ما يلي : «قال يحيى : وبلغني أنّ منهم ...».
(٢) هذه الجملة الأخيرة : «حتّى يلقى الله ...» من الشيخ الهوّاريّ بدلا ممّا جاء في مخطوطة سع : «ومنهم من يبقى عليه منها فيدخل النار فينتقم منه ثمّ يخرجه الله منها إلى الجنّة».