فالقرية مكّة ، والرسول محمّد صلىاللهعليهوسلم ، كفروا بأنعم الله فكذّبوا رسوله ولم يشكروا وهم (الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) (٢٨) [إبراهيم : ٢٨]. وأمّا قوله : (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) فإنّه الجوع الذي عذّبوا به بمكّة قبل عذابهم يوم بدر ، ثمّ عذّبهم بالسيف يوم بدر. وأمّا الخوف فبعد ما خرج النبيّ عنهم.
قوله : (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً) : يعني المؤمنين ؛ ما أحلّ الله لهم من الرزق ومن الغنيمة وغيرها. (وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (١١٤). قال : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) : أي ذبائح المشركين ، ثمّ أحلّ ذبائح أهل الكتاب من المشركين.
قوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١١٥) : وقد فسّرنا ذلك في سورة البقرة وسورة الأنعام (١).
قوله : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) : نزلت هذه الآية في المشركين لما حرموا من الأنعام والحرث وما استحلّوا من أكل الميتة ، ثمّ صارت للناس عامّة. تقدّم إليهم ألّا يستحلّوا التقوّل على الله ، ولا يفتروا الكذب فيحلّوا ما حرّم الله ، ويحرّموا ما أحلّ الله بالادّعاء على الله والكذب عليه فقال :
(إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) : من المشركين فيما حرّموا من الأنعام والحرث وما استحلّوا من أكل الميتة ، وممّن (٢) ادّعى من أهل القبلة على الله الكذب ، ودان بالأباطيل ، واستحلّ وحرّم ما لم يحلّ الله ولم يحرّمه (لا يُفْلِحُونَ) (١١٦) جميعا. وهو كقوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ
__________________
(١) انظر ما سلف من هذا التفسير ، ج ١ ، تفسير الآية ١٧٣ من سورة البقرة ، والآية ١٤٥ من سورة الأنعام.
(٢) في المخطوطات ق وج ود : «فيمن». والصواب ما أثبتّه «ممّن» عطف على «من المشركين» وهذه الجملة من زيادة الشيخ الهوّاريّ.