خَلَقْتَ طِيناً) (٦١) : أي : من طين. كقوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) [الأنعام : ٢] وقال إبليس : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (٧٦) [سورة ص : ٧٦] ، وقول إبليس : (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) على الاستفهام ، أي : لا أسجد له.
ثمّ قال : (قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) : فأمرتني بالسجود له (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) (٦٢) : قال مجاهد : لأحتوينّهم. وقال الكلبيّ : لأستولينّ على ذرّيّته ، أي : فأضلّهم ، إلّا قليلا. وقال الحسن : لأستأصلنّ ذرّيّته ، يعني يهلكهم ، إلّا قليلا ، يعني المؤمنين (١).
وهذا القول منه بعد ما أمر بالسجود ، وذلك ظنّ منه حيث وسوس إلى آدم فلم يجد له عزما ، أي : صبرا. فقال : بنو هذا في الضعف مثله. وذكروا أنّ إبليس كان يطيف بآدم قبل أن ينفخ فيه الروح ، فلمّا راه الخبيث أجوف عرف أنّه لا يتمالك.
قوله : (قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً) (٦٣) : قال مجاهد : وافرا.
قوله : (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) : يعني بدعائك ، أي : بوسوستك (٢). (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ).
قال مجاهد : كلّ فارس في معصية الله فهو من خيل إبليس ، وكلّ راجل في معصية الله فهو من رجل إبليس. وقال بعضهم : رجاله الكفّار والضلّال من الجنّ والإنس. وكان الحسن يقرأها : (ورجالك) وقال : وإنّ له خيلا وإنّ له رجالا.
__________________
(١) وقد جمع أبو عبيدة هذه المعاني المتقاربة بتعبير أدقّ فقال في المجاز ، ج ١ ص ٣٨٤ : «(لأحتنكنّ ذرّيّته ، إلّا قليلا) مجازه : لأستميلنّهم ولأستأصلنّهم. يقال : احتنك فلان ما عند فلان أجمع من مال أو علم أو حديث أو غيره : أخذه كلّه واستقصاه».
(٢) قال أبو عبيدة في المجاز : (واستفزز من استطعت) أي : استخفف ، واستجهل. (بخيلك ورجلك) جميع راجل ، بمنزلة تاجر والجميع تجر ، وصاحب والجميع صحب».