ورأى الإيمان في المدينة ظاهرا. فانطلق ، وهو مستخف ، حتّى انتهى إلى رجل ليشتري من طعامه. فلمّا أبصر صاحب الطعام الورق أنكرها. قال له الفتى (١) أليس ملككم فلانا؟ قال الرجل : بل ملكنا فلان. فلم يزل ذلك بينهما حتّى رفعه إلى الملك.
فأخبره صاحب الكهف بحديثه وأمره. فبعث الملك في الناس فجمعهم فقال : إنّكم اختلفتم في الروح والجسد ، وإنّ الله قد بعث لكم آية وبيّن لكم الذي اختلفتم فيه ؛ فهذا رجل من قوم فلان ، يعني ملكهم الذي مضى. فقال صاحب الكهف : انطلقوا إلى أصحابي. فركب الملك وركب الناس حتّى انتهوا إلى الكهف. فقال الرجل : دعوني حتّى أدخل إلى أصحابي ، فلمّا أبصرهم وأبصروه ضرب الله على أصمختهم. [فلمّا استبطأوه] (٢) دخل الملك ودخل الناس معه ، فإذا أجساد لا ينكرون منها شيئا ، غير أنّه لا أرواح فيها. فقال الملك : هذه آية بعثها الله لكم. (قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ) ، وهم ملوكهم وأشرافهم (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً).
قال الله : (سَيَقُولُونَ) : أي : سيقول أهل الكتاب (ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ) : أي قذفا بالغيب (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) : أي إلّا قليل من الناس. ذكروا أنّ ابن عبّاس كان يقول : أنا من أولئك القليل الذين استثنى الله ؛ كانوا سبعة وثامنهم كلبهم.
قال : (فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً) : يقول الله للنبيّ عليهالسلام : لا تمار ، أي : لا تجادل أهل الكتاب في أصحاب الكهف (إلّا مراء ظاهرا) أي : إلّا بما أخبرتك. وحسبك ما قصصت عليك من أمرهم. (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ) : أي في أصحاب الكهف (مِنْهُمْ أَحَداً) (٢٢) : أي من أهل اليهود. يقول : لا تسأل عنهم من اليهود أحدا ، وهم الذين سألوه
__________________
(١) في المخطوطات الأربع : «قال له الرجل : أليس ملككم فلانا؟ قال : بلى ملكنا فلان» وفيه خطأ. وفي سع ورقة ١٦ ظ : «قال له الرجل : أليس ملككم فلان؟ قال : لا ، بل ملكنا فلان». وهو صحيح. وأولى بالصحّة والصواب والإيضاح ما أثبتّه من الدر المنثور ، ج ٤ ص ٢١٤.
(٢) زيادة من الدرّ المنثور يقتضيها سياق الكلام.