عواري استعاروها من آل فرعون ليوم الزينة ، يوم العيد الذي وعدهم موسى حيث يقول : (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ) [طه : ٥٩]. وهو قول بني إسرائيل : (حُمِّلْنا أَوْزاراً) : أي : آثاما (مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُ) (٨٧) [طه : ٨٧] أي ما معه كما ألقينا ما معنا. وكان الله أمر موسى أن يسير بهم ليلا ، فكره القوم أن يردّوا العواري على آل فرعون ، فيفطن بهم آل فرعون ، فساروا من الليل والعواري معهم. فعمد السامريّ فصاغ عجلا من ذلك الحليّ ؛ قال : وكان صائغا (١). قال : وقد كان أخذ ترابا من أثر فرس جبريل يوم قطعوا البحر فكان معه ، فقذف ذلك التراب في ذلك العجل ، فتحوّل لحما ودما له خوار للبلا (٢). (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ) (٨٨) [طه : ٨٨] أي ولكن نسي موسى إلهه فأضلّه فذهب في طلبه ، وهو عندكم. قال الله : (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ) : يعني العجل (وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً) : أي طريقا. (اتَّخَذُوهُ) : إلها (وَكانُوا ظالِمِينَ) (١٤٨) : لأنفسهم باتّخاذهم إيّاه.
قوله : (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) : [أي ندموا] (٣) (وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا) : أي : لئن لم يفعل ذلك بنا (لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (١٤٩) : وهي تقرأ على وجه آخر : (لئن لّم ترحمنا ربّنا) أي لئن لم ترحمنا يا ربّنا ، صراخ منسوب ، (لنكوننّ من الخاسرين). قالوا ذلك لمّا صنع موسى بالعجل ما صنع ، فطلبوا التوبة ، فأبى الله أن يقبل منهم إلّا أن يقتلوا أنفسهم ، فغلّظ عليهم في المتاب. وهو قوله : (وَإِذْ
__________________
(١) كذا في ق وع وج : «وكان صائغا» ، وفي د : «وما كان صائغا». ولم أجد فيما بين يديّ من المصادر من أشار إلى هذا حتّى أثبت كونه صائغا أو أنفيه.
(٢) كذا وردت هذه الكلمة : «للبلا» ، منقوطة أحيانا وغير منقوطة في المخطوطات ، ولم أهتد لمعناها.
(٣) زيادة من ز ، ورقة ١١٠. وقال الطبريّ في تفسيره ، ج ١٣ ص ١١٨ : «وكذلك تقول العرب لكلّ نادم على أمر فات منه أو سلف ، وعاجز عن شيء : «قد سقط في يديه» و «أسقط» لغتان فصيحتان. وأصله من الاستئسار. وذلك أن يضرب الرجل الرجل أو يصرعه. فيرمي به من يديه إلى الأرض ليأسره ، فيكتفه ، فالمرميّ به مسقوط في يدي الساقط به. فقيل لكلّ عاجز عن شيء ، وضارع لعجزه ، متندّم على ما قاله : «سقط في يديه» و «أسقط»».