قوله : (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها) : أي باياتنا (وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) : أي اختار الدنيا (١). وقال مجاهد : سكن ، أي اطمأنّ إلى الدنيا. وقد قال في آية أخرى : (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها) [يونس : ٧] قال : (وَاتَّبَعَ هَواهُ) : قال بعضهم : أبى أن يصحب الهدى. فضرب الله مثلا فقال :
(فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) : قال : (فمثله) في العلم الذي آتاه الله فتركه (كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) ، فهو على كلّ حال يلهث ، أي فلم ينتفع بالعلم الذي علم.
وقال مجاهد : (إن تحمل عليه) أي : إن تطرده بدابّتك (٢) أو برجلك ، وهو مثل الكافر بالكتاب. وقال بعضهم : (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) وأذلّ ما يكون الكلب إذا لهث ، يقول : فكذلك مثل هذا الذي يعلم ولا يعمل بما يعلم هو كالكلب الذليل. ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : أشدّ الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه (٣).
وقال الكلبيّ : (إن تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث) يقول : هو ضالّ على كلّ حال ، وعظته أو تركته.
(ذلِكَ) : يقول هذا المثل (مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ) : أي الحقّ يا محمّد (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (١٧٦) : أي لكي يتفكّروا فيما يقصّ عليهم.
__________________
ـ الأنباريّ وابن عساكر في تاريخيهما عن ابن عبّاس. وانظر الشعر والشعراء لابن قتيبة ، ج ١ ص ٤٥٩.
(١) كذا في المخطوطات الأربع ، وفي ز ورقة ١١٢ : «ركن إلى الدنيا».
(٢) في ع بياض قدر كلمة ، وفي ق : «بداية» (كذا). وسقطت الجملة من د. والتصحيح من القرطبيّ في تفسيره ، ج ٧ ص ٣٢٣.
(٣) أخرجه البيهقيّ من حديث ابن عبّاس جاء فيه : «إنّ أشدّ الناس عذابا يوم القيامة من قتل نبيّا او قتله نبيّ ، أو قتل أحد والديه ، وعالم لم ينتفع بعلمه». انظر الدر المنثور ، ج ١٤ ص ١٧٤.