وقامت عليهم الحجّة. (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) : يعني النبيّ عليهالسلام (وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (١٩٨) : يعني الحجّة.
قوله : (خُذِ الْعَفْوَ) : ذكروا عن عبد الله بن الزبير قال : خذ العفو من أخلاق الناس. [وقال مجاهد : يقول : خذ العفو من أخلاق الناس وأعمالهم بغير تجسّس] (١).
وقال الحسن : خذ العفو من المؤمنين من أنفسهم ما لا يجهدهم ، يعني الصدقة. والعفو : الفضل عن نفقتك ونفقة عيالك. وكان هذا قبل أن تفرض الزكاة.
ذكروا عن الحسن قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنّ خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ، وابدأ بمن تعول ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، ولا يلوم الله على الكفاف (٢).
وقال الكلبيّ : (خذ العفو) أي : ما عفا من أموالهم ، وهو الفضل ، وذلك قبل أن تفرض الزكاة.
قوله : (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) : أي بالمعروف (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (١٩٩) : أي عن المشركين. الجاهلون ههنا المشركون (٣). قال بعضهم : نسخها القتال.
__________________
(١) زيادة من ز ، ورقة ١١٤ ، ومن تفسير مجاهد ، ص ٢٥٣. وقال ابن أبي زمنين : «العفو في كلام العرب ما أتى بغير كلفة».
(٢) حديث صحيح أخرجه البخاريّ في كتاب النفقات ، باب وجوب النفقة على الأهل والعيال عن أبي هريرة. وانظر ما مضى من هذا التفسير ، ج ١ ، تفسير الآية ٢١٩ من سورة البقرة.
(٣) هذا القول لا يقبل على ظاهره ، فإنّ للجهل معاني كثيرة. والجهل هنا إلى معنى السفه والحمق وسوء الأخلاق أقرب. وأكاد أجزم أنّ صفة الجهل هنا لا تعني الشرك ، وقد تكون من معانيه في سياق آخر. وأقول إنّه لا نسخ في الآية ؛ فإنّ هذه الآية عامّة فيما أدّب الله به نبيّه ، وأدّبنا به بالتبع ، من الأدب العالي والسلوك الحسن حتّى قيل : «ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها». يدلّ على ذلك قصّة عيينة بن حصن الفزاريّ التي رواها البخاريّ في كتاب التفسير عن ابن عبّاس قال : «إنّ الحرّ بن قيس استأذن لعمّه عيينة بن حصن على عمر بن الخطّاب ، فأذن له. فلمّا دخل عليه قال له عيينة : هي يا ابن الخطّاب ، فو الله ما تعطينا الجزل ، ولا تحكم بيننا بالعدل. فغضب عمر حتّى همّ أن يوقع به. فقال له الحرّ : يا أمير المؤمنين ، إنّ الله تعالى قال لنبيّه : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) ، وإنّ هذا من الجاهلين. والله ما ـ