قال الكلبيّ : بلغنا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لمّا صافّ المشركين يوم بدر ، قال ليحرض الناس على القتال : إنّ الله وعدني أن يفتح لي بدرا ، وأن يغنمني عسكرهم ، فمن قتل قتيلا فله كذا وكذا إن شاء الله من غنيمتهم ، ومن أسر أسيرا فله كذا وكذا إن شاء الله (١). فلمّا تواقفوا ألقى الله في قلوب المشركين الرعب ، فانهزموا ، واتبعهم سرعان (٢) من الناس ، فقتلوا سبعين رجلا ، وأسروا سبعين ، وغنموا العسكر وما فيه. وأقام وجوه الناس مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في مصافّه ، فلم يشذّ عنه منهم أحد.
ثمّ قام أبو اليسر بن عمرو الأنصاريّ من بني سلمة ، فكلّم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ، إنّك وعدت من قتل قتيلا أو أسر أسيرا من غنيمة القوم ، الذي وعدتهم ، وإنّا قد قتلنا سبعين ، وأسرنا سبعين. ثمّ قام سعد بن معاذ فقال : يا رسول الله ، إنّه ما منعنا أن نطلب كما طلب هؤلاء زهادة في الأجر ، ولا جبن عن العدوّ ، ولكنّا خفنا أن نعري صفّك ، فتعطف علينا (٣) خيل المشركين فأعرض عنهما رسول الله. ثمّ قال أبو اليسر مثل كلامه الأوّل. وعاد سعد فتكلّم مثل كلامه الأوّل وقال : يا رسول الله ، الأسرى والقتلى كثير ، والغنيمة قليلة ، وإن تعط هؤلاء الذي ذكرت لهم لم يبق لسائر أصحابك كبير شيء ، فنزلت هذه الآية : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ ...) إلى آخر الآية (٤).
ذكروا عن الكلبيّ أنّه قال : كان النبيّ وعد الأنصار المغنم ، فتكلّم فيه المهاجرون ، فأنزل الله هذه الآية وقال : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) فقسمه النبيّ صلىاللهعليهوسلم بين
__________________
(١) وسقطت هذه الجملة : «ومن أسر أسيرا ...» من د وج. والحديث صحيح ؛ أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد ، باب النفل. وأخرجه النسائيّ ، وابن جرير الطبريّ في تفسيره ، ج ١٣ ص ٣٦٧ ، ٣٧١ ، كلّهم يرويه عن ابن عبّاس.
(٢) سرعان الناس وسرعانهم : أوائلهم المستبقون إلى الأمر.
(٣) في ق وع : «علينا» ، وفي د وج : «عليك» ، وما أثبتّه أصحّ وأليق بأدب الصحابة في مخاطبة الرسول صلىاللهعليهوسلم.
(٤) انظر للتوسّع فيما جاء في أوائل هذه السورة ، شرح كتاب السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني ، شرح السرخسي ، ج ٢ ص ٥٩٢ ـ ٦٢٠ ، أبواب الأنفال ، ففيه فقه كثير ، وعلم غزير وفوائد جمّة.