وَخَلَقْتَهُ ، مِنْ طِينٍ (١٣) قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) : يعني في السماء (فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣) قالَ أَنْظِرْنِي) : أي أخّرني (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) (١٥) : وقال في آية أخرى : (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) (٨١) [سورة ص : ٨١] أي إلى النفخة الأولى. وأمّا قوله هاهنا : (إنّك من المنظرين) ففيها إضمار : إلى يوم الوقت المعلوم. (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي) : أي : فبما أضللتني. وقال الحسن : فبما لعنتني (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (١٦) : أي : فأصدّهم عنه.
ذكروا عن الحسن قال : ليس من هذا الخلق شيء إلّا وقد توجه حيث وجه. ولو لا أنّ ابن آدم قعد له على الطريق ، أي الشيطان ، فيخبل له (١) حتّى عدله ، مضى كما مضى سائر الخلق. يعني أنّ بني آدم ابتلوا بما لم يبتل به غيرهم من الخلق.
قوله : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) : من حيث لا يشعرون (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) (١٧) : أي مؤمنين.
أمّا قوله : (من بين أيديهم) فمن قبل الآخرة فأخبرهم أنّه لا بعث بعد الموت ، ولا جنّة ولا نار. وأمّا قوله : (ومن خلفهم) فمن أمر دنياهم [فأزيّنها في أعينهم وأخبرهم] (٢) أنّه لا حساب عليهم في الآخرة فيما صنعوا في الدنيا ، لأنّهم إذا كانوا في الآخرة كانت الدنيا خلفهم. كقوله : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) من أمر الآخرة (وَما خَلْفَهُمْ) [البقرة : ٢٥٥] من أمر الدنيا إذا كانت الآخرة. وقوله : (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) فأثبّطهم عن الخير ، كقوله : (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) (٢٨) [الصافّات : ٢٨] أي من قبل الخير فتثبّطوننا عنه. وأمّا (وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) فيعني من قبل المعاصي. يأمرهم بمعصية الله. (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) (١٧) أي مؤمنين. وكان ذلك ظنّا منه ، فكان الأمر على ما ظنّ. كقوله : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ
__________________
(١) في ج ود : «فيحمل له» ، وفي ق وع : «فيخبل له» ولست مطمئنّا للعبارتين معا ، وأثبتّ الأخيرة إذا كانت تعني أنّ الشيطان يصيب ابن آدم بخبال ، أي بمسّ ، يقال : خبله وخبّله واختبله ، إذا أفسد عقله. وانظر : اللسان (خبل).
(٢) زيادة من ز ، ورقة ١٠٤.