والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، فإنّهنّ يأتين يوم القيامة مقدّمات ومجنّبات ومعقّبات ، وهنّ الباقيات الصالحات (١). قوله تعالى : (خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً) : أي أجرا في الآخرة (وَخَيْرٌ مَرَدًّا) (٧٦) : أي خير عاقبة من أعمال الكفّار.
قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً) (٧٧) : أي في الآخرة. قال الله تعالى : (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ) : على الاستفهام ، فعلم ما فيه؟ أي : لم يطّلع على الغيب. قال تعالى : (أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) (٧٨) : أي لم يفعل. وسنفسّره في آخر هذه الآية.
ذكروا عن مسروق ، عن خبّاب بن الأرتّ قال : كنت قينا (٢) في الجاهليّة ، فعملت للعاص بن وائل ، حتّى اجتمعت لي عنده دراهم ، فأتيته أتقاضاه. فقال : والله لا أقضيك حتّى تكفر بمحمّد. فقلت : والله لا أكفر بمحمّد حتّى تموت ثمّ تبعث. قال : وإنّي لمبعوث؟ قلت : نعم. قال : فسيكون لي ثمّ مال وولد فأقضيك. فأتيت النبيّ عليهالسلام ، فأخبرته ، فأنزل الله هذه الآية ... إلى قوله : (وَيَأْتِينا فَرْداً). وقال بعضهم : ذكر لنا أنّ رجلا من أصحاب النبيّ عليهالسلام أتى رجلا من المشركين يتقاضاه دينا له ، فقال : أليس يزعم صاحبكم أنّ في الجنّة حريرا وذهبا؟ قال : بلى. قال : فميعادكم الجنّة ، فو الله لا أو من بكتابكم الذي جئتم به ، ولأوتينّ مالا وولدا. قال الله عزوجل : (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً). ذكروا عن عبادة بن الصامت قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : خمس صلوات كتبهنّ الله على عباده ، من جاء بهنّ تامّات فإنّ له عند الله عهدا أن يدخله الجنّة ، ومن لم يأت بهنّ تامّات فليس له عند الله عهد ، إن تاب غفر له ، وإن لم يتب عذّبه (٣). وقال بعضهم : (أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) : بعمل صالح.
قوله عزوجل : (كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا) (٧٩) : هو كقوله عزوجل : (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) (٣٠) [النبأ : ٣٠].
__________________
(١) حديث صحيح أخرجه النسائيّ والحاكم في مستدركه عن أبي هريرة ؛ والجنة ، بضمّ الجيم : كلّ ما واراك وسترك ، وهي الوقاية. وفي الحديث الصحيح : «الصيام جنّة من النار كجنّة أحدكم من القتال».
(٢) القين هو الحدّاد ، وكلّ عامل في الحديد يسمّى قينا عند العرب ، وجمعه قيون.
(٣) حديث صحيح ، أخرجه الربيع بن حبيب في كتاب الصلاة ، رقم ١٨٩. وقد أورده الشيخ هود الهوّاريّ بهذه الألفاظ في ب وع. وجاء في سع ورقة ٢٤ ط : «ومن لم يأت بهنّ تامّات فليس له عند الله عهد ، إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له». وانظر ما سلف ج ١ ، تفسير الآية ٨٠ من سورة البقرة.