قوله عزوجل : (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) (٨٧) : وقد فسّرنا العهد في الآية الأولى (١).
قوله عزوجل : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا) : (٨٩) قال مجاهد : شيئا عظيما. (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) (٩١) : أي بأن دعوا للرحمن ولدا. ذكروا أنّ كعبا قال : غضبت الملائكة ، وأسعرت جهنّم حين قالوا ما قالوا.
قال عزوجل : (وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (٩٢) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) (٩٣). ثمّ قال عزوجل : (لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) (٩٥) ، كقوله : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [الأنعام : ٩٤].
قوله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) (٩٦) : أي في قلوب المؤمنين. ذكروا أنّ كعبا كان يقول : إنّما تأتي المحبّة من السماء. إنّ الله إذا أحبّ عبدا قذف حبّه في قلوب الملائكة ، وقذفته الملائكة في قلوب الناس. وإذا أبغض عبدا فمثل ذلك ، لا يملكه بعضهم لبعض. ذكروا عن ثوبان مولى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنّ العبد ليلتمس مرضاة الله فلا يزال كذلك ، فيقول الله لجبريل : إنّ عبدي فلانا يلتمس أن يرضيني ، وإنّ رحمتي عليه. قال : فيقول جبريل : رحمة الله على فلان ، وتقوله حملة العرش ، ويقوله الذين حولهم ، حتّى يقوله أهل السماوات السبع ، ثمّ يهبط به إلى الأرض. قال : فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم عند ذلك : وهي الآية التي أنزل الله عليكم : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ
__________________
(١) انظر ما سلف قريبا في الصفحة الماضية في قوله تعالى : (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً). وقد أورد ابن سلّام في تفسير هذه الآية : (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) خمسة أحاديث في شفاعة نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوسلم لأمّته يوم القيامة رويت عن أبي هريرة وأنس بن مالك ، وهي موجودة في سع ورقة ٢٥ و ، ولكنّها غير واردة في ب ولا في ع. وكأنّي بالشيخ هود الهوّاريّ حذفها قصدا ، ولعلّها لم تصحّ عنده ، والله أعلم. من هذه الأحاديث ما رواه ابن سلّام بالسند التالي : «حدّثني درست (هكذا ضبطت) عن يزيد الرقاشيّ عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا أزال أشفع فأشفع حتّى أقول : ربّ شفّعني فيمن قال : لا إله إلّا الله فيقول : يا محمّد ، إنّها ليست لك ولكنّها لي».