والأحكام (وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ) (١٦).
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) : أي اليهود تهوّدوا (وَالصَّابِئِينَ) : هم قوم كانوا يعبدون الملائكة ، ويقرأون الزبور (وَالنَّصارى) : أي تنصّروا. وإنّما يقال لهم : نصارى لأنّهم ؛ كانوا بقرية يقال لها ناصرة. (وَالْمَجُوسَ) : وهم عبدة الشمس والقمر والنار (وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) : أي عبدة الأوثان (إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) : أي فيما اختلفوا فيه في الدنيا ، فيدخل المؤمنين الجنّة ، ويدخل جميع هؤلاء النار ، على ما أعدّ لكلّ قوم ، وقد ذكرنا ذلك في سورة الحجر في قوله تعالى : (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) (٤٤) [الحجر : ٤٤].
قوله : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (١٧) : أي شاهد على كلّ شيء ، وشاهد كلّ شيء.
قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) : يعني أنّ جميع من في السماوات يسجدون له ، وبعض أهل الأرض ، يعني الذين يسجدون له. وكان الحسن لا يعدّ السجود إلّا من المسلمين ، ولا يعدّ ذلك من المشركين. وقال مجاهد : يسجد المؤمن طائعا ويسجد كلّ كافر كارها (١). (وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ) كلّها (وَالْجِبالُ) كلّها (وَالشَّجَرُ) كلّها (وَالدَّوَابُ) كلّها. ثمّ رجع إلى صفة الإنسان فاستثنى فيه فقال:
(وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) : يعني المؤمنين (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) : يعني من لم يؤمن. قال الله عزوجل : (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ) فيدخله النار (فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) فيدخله الجنّة (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) (١٨).
قوله : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) : قال بعضهم : اختصم المسلمون وأهل الكتاب فقال أهل الكتاب : نبيّنا قبل نبيّكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، ونحن خير منكم. وقال المسلمون : كتابنا يقضي على الكتب كلّها ، ونبيّنا خاتم النبيّين ، ونحن أولى بالله منكم ، فأفلج (٢) الله أهل الإسلام فقال : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ ..). إلى آخر الآية ، وقال : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ
__________________
(١) انظر ما سلف ، ج ٢ ، تفسير الآية ١٥ من سورة الرعد.
(٢) يقال : فلج الرجل على خصمه يفلج ، ظفر وانتصر ، والفلج : الظفر والفوز. وفي المثل : «من يأت الحكم وحده يفلج». وأفلجه الله عليه : غلّبه عليه وأظفره. انظر اللسان : (فلج).