فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٦) وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٨))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) الإيمان العلمي (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) انبعثتم عن نوم الغفلة وقصدتم إلى صلاة الحضور والمناجاة الحقيقية والتوجه إلى الحقّ (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) أي : طهروا وجود قلوبكم بماء العلم النافع الطاهر المطهر من علم الشرائع والأخلاق والمعاملات التي تتعلق بإزالة الموانع عن لوث صفات النفس (وَأَيْدِيَكُمْ) أي : وقدركم عن دنس تناول الشهوات والتصرفات في موادّ الرجس (إِلَى الْمَرافِقِ) إلى قدر الحقوق والمنافع (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) بجهات أرواحكم عن قتام كدورة القلب وغبار تغيره بالتوجه إلى العالم السفلي ومحبة الدنيا بنور الهدى. فإنّ الروح لا يتكدر بالتعلق ، بل يحتجب نوره عن القلب فيسودّ القلب ويظلم ويكفي في انتشار نوره صقل الوجه العالي من القلب الذي إليه ، فإن القلب ذو وجهين أحدهما : إلى الروح والرأس هاهنا إشارة إليه. والثاني : إلى النفس وقواها ، فأحرى بالرجل أن تكون إشارة إليه (وَأَرْجُلَكُمْ) وجهات قواكم الطبيعية البدنية بنفض غبار الانهماك في الشهوات والإفراط في اللذّات (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) إلى حدّ الاعتدال الذي يقوم به البدن. فعلى هذا من انهمك في الشهوات وأفرط في اللذّات احتاج إلى غسلها بماء علم الأخلاق وعلم الرياضات حتى ترجع إلى الصفاء الذي يستعدّ به القلب للحضور والمناجاة ، ومن قرب حوضه فيها من الاعتدال كفاه المسح ولهذا مسح من مسح وغسل من غسل (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً) بعداء عن الحق بالانجذاب إلى الجهة السفلية والإعراض عن الجهة العلوية والميل الكلي إلى النفس (فَاطَّهَّرُوا) بكليتكم عن تلك الهيئة المظلمة والصفة الخبيثة الموجبة للبعد والاحتجاب.
(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) إلى آخره مكرر ، (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) من ضيق ومشقّة بكثرة المجاهدات والمكابدات (وَلكِنْ يُرِيدُ) أن يطهركم من الهيآت المظلمة والصفات الخبيثة (وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) بالتكميل (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) نعمة الكمال بالاستقامة والقيام بحق العدالة عند البقاء بعد الفناء (نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) بالهداية إلى طريق الوصول (وَمِيثاقَهُ) أي : عقود عزائمه المذكورة إذ قبلتموها من معدن النبوّة بصفاء الفطرة (هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) أي : العقل أقرب للتجرّد عن ملابس صفات النفس واتخاذ صفات الله تعالى وقاية لأنه أشرف