لِلْمُتَّقِينَ (٤٦) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤٧))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) بالتزكية (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) بالتحلية (وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ) بمحو الصفات والفناء بالذات (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) من ظهور بقايا الصفات والذات (ما فِي الْأَرْضِ) أي : ما في الجهة السفلية لأنها أسباب زيادة الحجاب والبعد ولا ينجع ثمة إلا في الجهة العلوية من المعارف والحقائق النورية.
[٤٨ ـ ٤٩] (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (٤٩))
(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) علم الفرقان الذي هو ظهور تفاصيل كمالك (بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ) أي : علم القرآن وهو العلم الإجمالي الثابت في استعدادك وحافظا عليه بالإظهار أو لما بين يديه العلوم النازلة على الأنبياء السابقين زمانا فإنّ الغالب على موسى عند الرجوع إلى البقاء عند الفناء بالوجود الموهوب قوّة النفس وسلطانها ، ولهذا بطش بأخيه كما قال تعالى : (وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) (١) ، وقال عند طلب التجلي : (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) (٢) فكان أكثر التوراة علم الأحكام الذي يتعلق بأحوال النفس وتهذيبها ودعوته إلى الظاهر والغالب على عيسى قوّة القلب ونوره ، ولهذا تجرد عن ملابس الدنيا وأمر بالترهب. وقال لبعض أصحابه : إذا لطمت في خدك فأدر الخد الآخر لمن لطمك. وكان أكثر الإنجيل علم تجليات الصفات والأخلاق والمواعظ والنصائح التي تتعلق بأحوال القلب وتصفيته وتنويره ودعوته إلى الباطن والغالب على محمد عليه الصلاة والسلام سلطان الروح ونوره ، فكان جامعا لمكارم الأخلاق متمما لها ، عادلا في الأحكام ، متوسطا فيها. وكان القرآن شاملا لما في الكتابين من العلوم والأحكام والمعارف مصدّقا له ، حافظا عليه ، مع زيادات في التوحيد والمحبة ودعوته إلى التوحيد.
(فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) من العدل الذي هو ظل المحبة التي هي ظل الوحدة التي
__________________
(١) سورة الأعراف ، الآية : ١٥٠.
(٢) سورة الأعراف ، الآية : ١٤٣.