انكشفت عليك (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) في تغليب أحد الجانبين ، إما الظاهر وإما الباطن (عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِ) من التوحيد والمحبة والعدل ، فإنّ التوحيد يقتضي المحبة ، والمحبة العدل ، ويقع ظله من سماء الروح على القلب بالمحبة ، وعلى النفس بالعدالة (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) موردا كمورد النفس ومورد القلب ومورد الروح ، وطريقا كعلم الأحكام والمعاملات التي تتعلق بالقلب وسلوك طريق الباطن الموصل إلى جنّة الصفات ، وعلم التوحيد والمشاهدة الذي يتعلق بالروح وسلوك طريق الفناء الذي يوصل إلى جنة الذات (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) موحدين على الفطرة الأولى ، متفقين على دين واحد (وَلكِنْ) ليظهر عليكم ما آتاكم بحسب استعداداتكم على قدر قبول كل واحد منكم فتتنوّع الكمالات (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) أي : الأمور الموصلة إلى كمالكم الذي قدّر لكم بحسب استعدادكم المقربة إياكم إليه بإخراجه إلى الفعل (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) في عين جمع الوجود على حسب المراتب لا عين جمع الذات (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) أي : يظهر عليكم ما اختلفتم فيه بحسب اختلاف استعداداتكم من طلب إحدى الجنان الثلاث ، والوصول إليها ، والحرمان بموانعها التي احتجبتم بها عما في استعدادكم من الكمال (بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) ذنوب اليهود حجب الأفعال وذنوب النصارى حجب الصفات ففسق اليهود هو الخروج عن حكم تجليات الأفعال الإلهية برؤية النفس أفعالها وفسق النصارى خروجهم عن حكم تجلّيات الصفات الحقانيّة برؤية النفس صفاتها واحتجابها بها كما أنّ فسق المحمديين هو الالتفات إلى ذواتهم والخروج عن حكم الوحدة الذاتية.
[٥٠ ـ ٥٤] (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (٥٢) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (٥٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٥٤))
(أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) أي : ما يطلبون بجهلهم إلا حكما صادرا عن مقام النفس بالجهل لا صادرا عن علم إلهي (مَنْ يَرْتَدَّ) من يرجع عن طريق الحق إلى الاحتجاب ببعض الحجب ، أيّ حجاب كان وخرج عنه فهو من المردودين لا من أهل المحبة ولا ينثلم ولا