زمان عيسى عليهالسلام الطب ، فجاء بالطب الإلهي ـ على ما روي ـ لأنّ معجزة كل نبيّ يجب أن تكون من جنس ما غلب على زمانه ليكون أدعى إلى إجابة دعواه.
[١٤٢ ـ ١٤٥] (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (١٤٢) وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (١٤٣) قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٤٤) وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (١٤٥))
(وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً) قيل : أمره بصوم ثلاثين فلما أتمّ أنكر خلوف فمه ، فتسوّك فعاتبه الله على ذلك وأمره بزيادة عشر ، وقيل : أمره بأن يتقرب إليه بما تقرّب به في الثلاثين ، وأنزل إليه التوراة في العشر الأخير تتمة الأربعين. فالأول : إشارة إلى أنه خلص عن حجاب الأفعال والصفات والذات في الثلاثين لكن بقي منه بقية ما خلص عن وجودها. واستعمال السواك إشارة إلى ظهور تلك البقية عند قوله : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ). والثاني : إشارة إلى أنه بلغ الشهود الذاتي التام في الثلاثين بالسلوك إلى الله ولم يبق منه بقية ، بل فنى بالكلية. وتمّ في العشر الأخير سلوكه في الله حتى رزق البقاء بالله بعد الفناء بالإفاقة ، وعلى هذا ينبغي أن يكون قوله : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) كان قد صدر عنه في الثلاثين ، والإفاقة بعدها في تتمة الأربعين. وكلمه ربه ، التكليم في مقام تجلي الصفات ، وقوله : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) بدر عن إفراط شوق منه إلى شهود الذات في مقام فناء الصفات مع وجود البقية. (لَنْ تَرانِي) إشارة إلى استحالة الإثنينية وبقاء الإنية في مقام المشاهدة كقوله :
إذا تغيّبت بدا |
|
وإن بدا غيّبني |
وقوله : رأيت ربي بعين ربّي (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) أي : جبل وجودك (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ) أمكنت رؤيتك إياي ، وذلك من باب التعليق بالمحال (جَعَلَهُ دَكًّا) أي : متلاشيا لا وجود له أصلا (وَخَرَّ مُوسى) عن درجة الوجود فانيا (فَلَمَّا أَفاقَ) بالوجود الموهوب الحقاني عند البقاء بعد الفناء (قالَ سُبْحانَكَ) أن تكون مرئيا لغيرك ، مدركا لأبصار الحدثان (تُبْتُ إِلَيْكَ) عن ذنب البقية (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) بحسب الرتبة لا بحسب الزمان ، أي : أنا في الصف الأول من صفوف مراتب الأرواح الذي هو مقام أهل الوحدة وذلك مقام الاصطفاء المحض. وقوله : (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي) هو أول درجة الاستنباء بعد الولاية