[٤٦ ـ ٥١] (قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٤٦) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٤٧) قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٨) تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٤٩) وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (٥٠))
(يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (٥١) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) أي : إنّ أهلك في الحقيقة هو الذي بينك وبينه القرابة الدينية واللحمة المعنوية والاتصال الحقيقي لا الصوري كماقال أمير المؤمنين عليهالسلام : «ألا وإنّ وليّ محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته ، ألا وإن عدّو محمد من عصى الله وإن قربت لحمته»، (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) بين انتفاء كونه من أهله بأنه غير صالح تنبيها على أنّ أهله هم الصلحاء ، أهل دينه وشريعته وأنه لتماديه في الفساد والغيّ كان نفسه عمل غير صالح. وأنّ سبب النجاة ليس إلا الصلاح لا قرابته منك بحسب الصورة ، فمن لا صلاح له لا نجاة له. ولوّح إلى أنه صورة من صور الخطايا صدرت منك كما قيل : إنه سرّ من أسرار أبيه على ماقال النبي عليه الصلاة والسلام : «الولد سرّ أبيه»وذلك أنه لما بالغ في الدعوة وبلغ الجهد في المدة المتطاولة وما أجابه قومه غضب ودعا عليهم بقوله : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً (٢٧)) (١) ، فذهل عن شهود قدرة الله وحكمته وأنه : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) (٢) فكانت دعوته تلك ذنب حاله في خطيئة مقامه ، فابتلاه الله بالفاجر الكفّار الذي زعم حال غضبه أنهم لا يلدون إلا مثله وحكم على الله بظنه فزكّاه عن خطيئته بتلك العقوبة. وفي الحديث : «خلق الكافر من ذنب المؤمن». (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) من إنجاء من ليس بصالح ولا من أهلك ، واعلم أن الصلاح هو سبب النجاة دون غيره ، وإن أهلك هو ذو القرابة المعنوية لا الصورية.
(إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) الواقفين مع ظواهر الأمور ، المحجوبين عن حقائقها ، فتنبّه عليهالسلام عند ذلك التأديب الإلهي والعتاب الرباني وتعوّذ بقوله : (رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي) تلويناتي وظهور بقاياي (وَتَرْحَمْنِي) بالاستقامة والتمكين (أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) الذين خسروا أنفسهم بالاحتجاب عن علمك
__________________
(١) سورة نوح ، الآيات : ٢٦ ـ ٢٧.
(٢) سورة يونس ، الآية : ٣١.