وحكمتك (قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ) أي : اهبط من محل الجمع وذروة مقام الولاية والاستغراق في التوحيد إلى مقام التفصيل وتشريع النبوّة بالرجوع إلى الخلق ومشاهدة الكثرة في عين الوحدة لا مغضبا بالاحتجاب بهم عن الحق ولا راضيا بكفرهم بالاحتجاب بالحق عنهم (بِسَلامٍ) أي : سلامة عن الاحتجاب بالكثرة وظهور النفس بالغضب ووجود التلوين وحصول التعلق بعد التجرد والضلال بعد الهدى (مِنَّا) أي صادر منا وبنا (وَبَرَكاتٍ) بتقنين قوانين الشرع وتأسيس قواعد العدل الذي ينمو به كل شيء ويزيد (عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ) ناشئة (مِمَّنْ مَعَكَ) وعلى دينك وطريقتك إلى آخر الزمان.
(وَأُمَمٌ) أي : وينشأ ممن معك أمم (سَنُمَتِّعُهُمْ) في الحياة الدنيا لاحتجابهم بها ووقوفهم (ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) بإهلاكهم بكفرهم وإحراقهم بنار الآثار ، وتعذيبهم بالهيئات ، وإن شئت التطبيق أوّلت نوحا بروحك والفلك بكمالك العلمي والعملي الذي به نجاتك عند طوفان بحر الهيولى حتى إذا فارّ تنور البدن باستيلاء الرطوبة الغريبة والأخلاط الفاسدة وأذن بالخراب ، ركب هو فيها وحمل معه من كل صنفين من وحوش القوى الحيوانية والطبيعية وطيور القوى الروحانية اثنين ، أي : أصليهما وبنيه الثلاثة حام القلب ، وسام العقل النظري ، ويافث العقل العملي ، وزوجه النفس المطمئنة وأجراها باسم الله الأعظم فنجا بالبقاء السرمدي من الهلاك الأبدي بالطوفان وغرقت زوجه الأخرى التي هي الطبيعة الجسمانية وابنه منها الذي هو الوهم الآوي إلى جبل الدماغ ، وأوّلت استواءها على الجودي وهبوطه بمثل نزول عيسى عليهالسلام في آخر الزمان.
[٥٢] (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢))
(وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) من ذنوب حجب صفات النفس والوقوف مع الهوى بالشرك (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) بالتوجه إلى التوحيد والسلوك في طريقه بالتجرّد والتنوّر. يرسل سماء الروح (عَلَيْكُمْ مِدْراراً) بماء العلوم الحقيقية والمعارف اليقينية (وَيَزِدْكُمْ) قوّة الكمال (إِلى) قوة الاستعداد ولا تعرضوا عنه (مُجْرِمِينَ) بظهور صفات نفوسكم وتوجهكم إلى الجهة السفلية بمحبة الدنيا ومتابعة الطبيعة.
[٥٣ ـ ٦٣] (قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ