وأصحاب قسوة القلوب والجفوة والمحجوبين بالعقول الناقصة المشوبة بالوهم القاصرة عن بلوغ الحد وإدراك الحق ، ويقبله من تنوّر قلبه بنور الهداية وعصم عن الضلالة والغواية استبصارا وإيقانا أو سلمت فطرته عن الحجب المظلمة والغباوة وخلصت عن الجهالة والغشاوة وتقليدا وإيمانا للين قلبه بالإرادة وقوة قبوله للصقالة ، وذلك إما بتأييد نفسه من عالم الملكوت وتقويها بمبدأ الأبد والقوة كماقال علي عليهالسلام عند قلعه باب خيبر : «والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية ، ولكن قلعته بقوة ملكوتية ونفس بنور ربها مضيّة». وإما بصدور ذلك عن تلك النفوس الملكوتية والمبادئ الجبروتية التي اتصل هو بها لإجابة دعوته بإطاعة الملكوت له بإذن الله تعالى وأمره وتقديره وحكمه وتسخيره. وقد دلت الآية على تمثل الملائكة لخليل الله عليه الصلاة والسلام وتجسدها على الحالات الثلاث : مخاطبتها إياه بالغيب الذي هو البشرى بوجود الولد ، وإهلاك قوم لوط وإنجائه وتأييده بهم في خرق العادة من ولادة العجوز العقيم من الشيخ الفاني وتأثيرهم في إهلاك قوم لوط وتدميرهم بدعائه والله أعلم بحقائق الأمور.
(إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ) لما رأى شعيب عليهالسلام ضلالتهم بالشرك واحتجابهم عن الحق بالجبت ، وتهالكهم على كسب الحطام بأنواع الرذائل وتماديهم في الحرص على جمع المال بأسوأ الخصال منعهم عن ذلك وقال : إني أراكم بخير في استعدادكم من إمكان حصول كمال وقبول هداية فإني أخاف عليكم إحاطة خطيئاتكم بكم لاحتجابكم عن الحق ووقوفكم مع الغير وصرف أفكاركم بالكلية إلى طلب المعاش وإعراضكم عن المعاد ، وقصور هممكم على إحراز الفاسدات الفانيات عن تحصيل الباقيات الصالحات ، وانجذابكم إلى الجهة السفلية عن الجهة العلوية ، واشتغالكم بالخواص البهيمية عن الكمالات الإنسية ، فلازموا التوحيد والعدالة واعتزلوا عن الشرك والظلم الذي هو جماع الرذائل وأمّ الغوائل (وَلا تَعْثَوْا) في إفسادكم أي :ولا تبالغوا ولا تمادوا في غاية الإفساد فإنّ الظلم هو الغاية في ذلك كما أن العدل هو الغاية في الصلاح وجماع الفضائل.
[٨٦ ـ ٨٧] (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (٨٦) قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧))
(بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي : إن كنتم مصدّقين ببقاء شيء فما يبقى لكم عند الله من الكمالات والسعادات الأخروية والمقتنيات العقلية والمكاسب العلمية والعملية خير لكم من تلك المكاسب الفانية التي تشقون بها وتشقون على أنفسكم في كسبها وتحصيلها ثم